سنجيب عن السؤال مباشرة بالقول: إن الرد الإيراني على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق قد بدأ بالفعل، حين خطفت وقتلت باسكال سليمان بواسطة حلفائها في المنطقة. هذه هي طريقة السياسة الإيرانية الحالية في تحقيق أهدافها، فهي لا تسير في خط مستقيم أبدا، وإنما تتحرك في خطوات أفعوانية غير مباشرة.
لا شك أنه أمر محرج لدولة تزعم أنها قوة إقليمية منافسة أن تتلقى تلك الصفعة، ضرب القنصلية ومقتل القيادي الإيراني الكبير محمد رضا زاهدي في الغارات الجوية يوم 1 أبريل/ نيسان، فمنذ تلك العملية العسكرية الاستخباراتية وإيران تهدد بالانتقام، لأن ما وقع يعني ببساطة انفلات قبضة الهيمنة. لم يعد من الممكن الرد على طريقة قواعد الاشتباك وضرب مناطق خالية من السكان، فتلك الطريقة قد فضحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وصار من الضروري البحث عن حل جديد ومخرج من المأزق الذي سيهز صورة الدولة التي لا تقهر وسيضعف هيمنتها على الدول العربية الواقعة تحت هيمنتها. ولا بد من حل غير المتبادر إلى الأذهان لأن إيران تعرف عدوانية إسرائيل وأن أي اعتداء عليها سوف يفجر حربا ليست على طريقة الوكلاء بين إيران وإسرائيل.
الخيار الثاني هو افتعال أزمة تشغل الرأي العام الإقليمي عن الورطة الإيرانية التي زاد في وقودها الإعلام العالمي والعربي، ومن هنا جاء اختيار باسكال سليمان منسق القوات اللبنانية في جبيل، وهكذا جرى خطفه وقتله من قبل محور الممانعة.
ما حدث أثار مشكلة تفلت النزوح السوري وجيّر المسؤولية في عملية الاغتيال السياسية إلى أناس لا ذنب لهم فيها
الرواية الرسمية متهافتة أشد التهافت، لكن لا بد من المرور عليها. خُطف باسكال وقتل ووجهت أصابع الاتهام إلى عصابة سرقة سورية، إلا أن تلك التهمة لم تنطل على كل اللبنانيين، بل على قلّة منهم فقط، لأنه من غير المتصور أن تنشغل عصابة لصوص بنقل جثة سليمان إلى سوريا، ما دام أن غاية ما يريدون هو سرقة سيارته. لماذا لم يتركوه حيث قتلوه؟ ثم كيف تمكنت هذه العصابة من دخول سوريا دون علم استخباراتها وأجهزتها الأمنية المعروفة بصرامتها؟ لا بد من تنسيق، ومن ذا الذي يقدر على التنسيق في لبنان دون المرور بدوائر "حزب الله"؟
بطبيعة الحال، كان الانطباع الأول أن يشتعل غضب في الشارع اللبناني ضد اللاجئين السوريين، الذين يطالب بعض اللبنانيين بترحيلهم، نظرا للضائقة الاقتصادية التي يمر بها بلد الأرز. هذا هو هدف عملية الاغتيال من الأساس، إشعال الفتنة بين اللبنانيين واللاجئين السوريين وإشغال الرأي العام عن تضعضع إيران وانكسارها الذي فاحت رائحته في المنطقة بأسرها.
لا بد من الاعتراف بأنه قد حصل نجاح مبدئي للعملية، حيث وقعت حوادث ضرب واعتداء على الممتلكات في جبيل وبيروت ضد السوريين الذين لا ناقة لهم ولا جمل. هذه يجب أن تكون واضحة، لا مصلحة أبدا لمن يبحث عن لقمة عيشه يوما بيوم في أن يفتح على نفسه هذا الباب الذي سيعيد المطالبة بترحيل السوريين عن لبنان، سواء كانوا هم من قتل باسكال أم غيرهم. كل هذا الذي حدث أثار مشكلة تفلت النزوح السوري وجيّر المسؤولية في عملية الاغتيال السياسية هذه إلى أناس لا ذنب لهم فيها. ثمة تفاؤل، والباعث على هذا التفاؤل، هو أنك حين تحاول رصد الرأي العام اللبناني عبر منصات التواصل، تجد أن غالبية اللبنانيين، من غير أتباع "حزب الله"، يعرفون جيدا ما حدث.