بدأت عمليات القتل في 7 أبريل/نيسان 1994، عندما باشر أفراد الحرس الرئاسي باغتيال زعماء المعارضة والمعتدلين في الحكومة. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى جرت إبادة جماعية لأقلية التوتسي في رواندا. وكانت هذه العملية من بين أسرع عمليات القتل الجماعي في التاريخ، فقبل انقضاء 100 يوم، قُتل ثلاثة أرباع السكان التوتسي في رواندا، وهم نحو 500 ألف شخص، معظمهم لم يقتل على يد الجيش، بل على أيدي أفراد عاديين من قبيلة الهوتو، التي تشكل الأغلبية في البلاد. ووصف الصحافي الأميركي فيليب غوريفيتش هذه الحالة قائلا: "قام الجيران بضرب جيرانهم حتى الموت، وقتل الأطباء مرضاهم، وأجهز المعلمون على تلاميذهم".
ولم تقم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في رواندا، والتي يبلغ قوامها نحو 2500 جندي، بأي إجراء تقريبا. وكانت أغات يولينجيمانا، رئيسة الوزراء المعتدلة المنحدرة من قبيلة الهوتو، من بين أوائل من لقوا حتفهم. وكان يحرسها 15 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لكنهم استسلموا. واتصل لاندو نداسينغوا، الزعيم من إثنية التوتسي للحزب الليبرالي، بقوات حفظ السلام، قائلا إن الجنود يستعدون لمهاجمة منزله، فوعده أحد الضباط بإرسال مفرزة، لكنه كان لا يزال على الهاتف معه عندما سمع إطلاق النار، فقال لاندو له: "فات الأوان".
وقف العالم متفرجا. وكان الجنرال الكندي روميو دالير، قائد قوات حفظ السلام، قد تلقى مسبقا تحذيرا يتعلق بمخطط الإبادة. وفي برقية أرسلها إلى كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس قوات حفظ السلام آنذاك، أبلغه بأنه خطط لمداهمة مخابئ الأسلحة واستباق الإبادة الجماعية. لكن أنان رفض إعطاء الإذن وأمره بعدم القيام بأي إجراء "يمكن أن يؤدي إلى استخدام القوة". وبعد مرور ثلاثة أسابيع من بدء الإبادة الجماعية، صوت مجلس الأمن على سحب جميع قوات حفظ السلام، باستثناء نحو 270 جنديا. وكتب الجنرال في وقت لاحق: "هذه الهيئة العالمية ساعدت وحرضت على الإبادة الجماعية".
استمرار الكابوس
وبعد مرور ثلاثين عاما، لا تزال الإبادة الجماعية في رواندا تُذكر باعتبارها واحدة من حدثين جريا في التسعينات ودفعا العالم المثقل بالذنب إلى التعهد بعدم الوقوف مكتوف الأيدي والسماح بارتكاب مجازر جماعية مرة أخرى. أما الحدث الآخر فكان المذبحة التي ارتكبها صرب البوسنة ضد الآلاف من الرجال والفتيان المسلمين في سربرينيتسا في العام التالي. وفي عام 2005، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع مبدأ يقضي بأن تتحمل جميع البلدان "مسؤولية حماية" الشعوب من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وذلك باللجوء إلى القوة إذا لزم الأمر. كان الحلم هو أن تؤدي أهوال رواندا إلى نشوء عالم يخضع لرقابة جيدة.
لكن، بدلا من ذلك استمر الكابوس. فمن إثيوبيا وميانمار إلى السودان وسوريا واليمن وأماكن أخرى، وقفت القوى العالمية مكتوفة الأيدي تقريبا بينما تعرض ملايين الناس للضرب والقصف بالغاز والتجويع. وعلى نحو مماثل، أدى الصراع في غزة إلى دفع التوترات بين المبادئ والجغرافيا السياسية إلى الذروة، مع انتشارالادعاءات والردود بشأن الجرائم التي ترتكبها "حماس" وشرعية الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة المستمرة منذ ستة أشهر في وسائل الإعلام والقنوات الدبلوماسية والمحاكم الدولية.