مستقبل الشباب و تشغيله أهم التحديات حتى لا يصبح تفجيريًا تكفيريًا أو منحرفيًا

مستقبل الشباب و تشغيله أهم التحديات حتى لا يصبح تفجيريًا تكفيريًا أو منحرفيًا


يعيش الخليج هذه الأيام فترة ذهبية بفضل الطفرة النفطية، والموجهة للاستفادة منها في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية وتحقيق نهضة شاملة سوف تشهدها دول الخليج لو استمر الأمن الذي هو حاضنة للتنمية وباعث للسكينة، ليحيط بذلك النمو المتوازن الذي يتحرك بتناغم بديع من "رأس الحد" العمانية إلى "مقنا" السعودية.


 لكن هناك ما يؤثر ويتأثر بهذه التنمية إيجابيًّا أو سلبيًّا، وهنا يأتي دور الحكومات، بالاهتمام بالشباب لأنهم ساعد الدولة في بناء المستقبل. فجزء كبير من سكان الخليج هم من الشباب، وترى إحصاءات أنهم أكثر من النصف، وهم الذين عايشوا التنمية منذ انطلاقتها، واشتد عودهم وقد أصبحت دولهم محط أنظار العالم، فهي مصدر الطاقة الأغلى، وهي المتحكم في أرقام سوق البترول العالمية.


غير أن هؤلاء يواجهون في هذه المنطقة تحديات كبيرة، ربما لا تختلف كثيرًا عن التحديات التي تواجه نظراءهم في المغرب أو الشمال، ولكن عدة عوامل تجعل المشكلة التي تواجه الشاب الخليجي أكثر تعقيدًا من تلك التي تواجه غيره. في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العمالة من كل الأعراق والألوان والأجناس التي تعمل بيدها أو بعقلها في القطاع الخاص أو الحكومي، حيث نجد أن هناك أعدادًا  تتزايد من أبناء الخليج عاطلين عن العمل، منهم المؤهل علميًّا، ومنهم المؤهل جسديًّا للبذل والعطاء، والأسباب إما اجتماعية تتركز في أن المواطن يعمل مديرًا فقط ويرفض العمل إذا خالطه عناء. وهذه الذهنية أضاعت فرصًا ذهبية من بين يدي شباب الخليج وجعلتهم محصورين في زاوية البطالة من دون أي إبداع أو إنجاز يُحسب لأوطانهم. وفي المقابل؛ هناك من استوعب التحدي وخصوصًا في السعودية، وبادر إلى العمل بجدٍّ حتى في أقل الوظائف التي كان يُنظر لها بدونية في الماضي.


الشباب في الستينيات والسبعينيات في الخليج كانوا متأثرين بالحركات القومية أو الشيوعية باختلافها وتنوعها، وكانوا متحركين بعواطفهم باتجاه أحداث جرت في ذاك الزمان. وكان هناك من يقود فكرهم ويداعب مشاعرهم . ومع تلاشي تلك الحركات والأحزاب وتناقص تأثيرها، وبالتحديد في أواخر السبعينيات، بدأت التيارات الحركة الإسلامية  تتحرك لتكون فكرة سائدة في المجتمعات وخصوصًا في السعودية وقطر والكويت، وانجرفت العقول والقلوب مع فكرة لقيت فراغًا يستوعبها بعد تلاشي المؤثرات السابقة. هذه الطفرة الدينية غير المقننة ولَّدت تطرفًا مقيتًا، صرف الشباب عن قضيته الوطنية إلى قضايا تستنزف المال والطاقات من دون جدوى..


وفي ظل غياب الموجه الحقيقي للطاقات الشابة، وإشراكهم في التنمية الشاملة بشكل إيجابي سواء بفتح قنوات الحوار معهم، أو باستيعاب طموحاتهم لتكوّن طموحًا جمعيًّا للدولة أو المجتمع، سيستمر التأثير المشتت لانتمائهم الوطني، وستتقاذفهم أمواج الأفكار ولن ترسي مراكبهم على شاطئ مستقبل علمي واقتصادي متقدم، للدول الخليجية الغنية والمتمكنة والمستقرة سياسيًّا وأمنيًّا.


ففي فترة من الفترات كانت بيروت والقاهرة ودمشق مراكز، وكان الخليج في الطرف، وكان  يتشكل الهم العربي في عقل المتضررين هناك ويندمج مع هذا الهم أبناء الخليج، ولم يكن الخليجيون يشغلون بالهم كثيرًا بالتفكير في المستقبل بالصيغة الأممية، لأن هناك من يقود الاهتمامات ويدافع عن القضايا ويقتصر دور الخليج على التأييد. أما اليوم؛ فالخليج تحول بسرعة إلى مركز، وهذا التحول المفاجئ وضع تحديات أمام أهل الخليج. أهمها مشكلات الشباب بتشغيله وإشغاله بالمستقبل، حتى لا يصبح تفجيريًّا تكفيريًّا أو منحرفًا في دروب المخدرات.


 والتحدي الآخر هو؛ الهوية التي أصبحت مسألة وجود عند بعض المجتمعات الخليجية، كما أن تحدي الأمن الوطني أصبح هاجسًا يؤرق الخليجيين بعد أن مر الخليج بعواصف عسكرية وأمنية اجتازها بسلام.


الخليج الساكن يضج بالحركة، يستفيد الخليج من الماضي، ليضيء مستقبله، وسيكون الخليج خلّاقًا أكثر ورائدًا أكثر لو منح أبناءه الثقة وخاطبهم بلغتهم، ومكَّنهم من زراعة حقل التنمية بسواعدهم، ولكن في المقابل يجب أن يؤهلهم ويبعدهم عن مؤثرات تُقصِيهم عن دورهم الحقيقي.




 



                                        



كاتب متخصص في الشئون القانونية

font change