هيمنة الصين على أسواق السيارات الكهربائية... هذه مجرد بدايةhttps://www.majalla.com/node/314596/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%87%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D9%85%D8%AC%D8%B1%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9
في أحد أيام الاثنين أخيرا، عندما رست سفينة صينية تحمل اسماً عشوائياً هو "إكسبلورر 1" في ميناء بريمرهافن الألماني الواقع على بحر الشمال، ربما تكون قد دشنت حقبة جديدة في الاقتصاد العالمي.
المميز في السفينة لم يكن طولها البالغ 653 قدماً (199 متراً تقريباً)، ولا تشغيلها بالغاز الطبيعي السائل الأخضر نسبياً، ولا حتى امتلاكها مدخلاً لتحميل الحمولة وآخر لتفريغها. ما جعل هذا الحدث يتسبب بهزات تجاوزت ألمانيا وصولاً إلى معظم أوروبا وإلى الولايات المتحدة الأميركية البعيدة، هو طبيعة حمولتها.
السفينة استأجرتها "بي. واي. دي."، وهي شركة لم يسمع بها كثيرون خارج الصين لكنهم سيفعلون قريباً، وحملت ما يقرب من خمسة آلاف مركبة كهربائية جديدة لامعة تحمل شارة شركة تصنيع السيارات إلى الأسواق الغربية.
تجبر حملة التصدير التي تشنّها "بي. واي. دي." أوروبا على أن تتجاوز بسرعة الصدمة التي عرفتها شركات تصنيع السيارات أخيراً، إذ تشهد كيف تكثف الشركات الصينية تصاميم منتجات المستقبل
على الرغم من الاهتمام الكبير خلال عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مر وقت طويل منذ أن كانت التجارة الدولية مسألة بارزة ومركزية في العلاقات الدولية. لكن التحدي الذي تجسده "بي. واي. دي." قد يعيد التجارة قريباً إلى الواجهة في شكل متوتر ودائم. لا تمثّل "بي. واي. دي." في أي حال من الأحوال المسألة ككل، لكن الشركة – التي أصبحت أخيراً الشركة الرائدة في العالم في تصنيع المركبات الكهربائية، متجاوزة "تيسلا" – باتت محور تحدٍّ جديد شائك وربما وجودي تشكله القطاعات الصاعدة في الصناعة الصينية للقطاعات المنافسة في العالم الغني. من جانبها، لا تخجل "بي. واي. دي." – التي تبنت في الأسواق الغربية شعار "ابنوا أحلامكم" – من طموحاتها.
ستحمل "إكسبلورر 1" قريبا سبعة آلاف مركبة من تصنيع "بي. واي. دي." في كل رحلة، وعندما يتعلق الأمر بالشركة الصينية العملاقة لتصنيع السيارات، الحديثة العهد والمبتكرة تكنولوجياً، فليس ذلك سوى البداية. ذلك أن من المتوقع أن تشغل الشركة ثماني سفن مثل "إكسبلورر 1" في غضون السنتين المقبلتين.
تجبر حملة التصدير التي تشنّها "بي. واي. دي." أوروبا على أن تتجاوز بسرعة الصدمة التي عرفتها شركات تصنيع السيارات أخيراً، إذ تشهد كيف تكثف "بي. واي. دي." وشركات كبيرة أخرى لتصنيع السيارات الصينية تصميم منتجات المستقبل هذه وإنتاجها. ويساعد ذلك الأوروبيين على تجاوز الإنكار والبدء بالتعامل مع مشهد متغير في شكل جذري. هذا لا يعني أنهم وجدوا حلاً للمنافسة الصينية في هذا القطاع. ببساطة، لا أحد وجد الحل.
الأسعار الصينية تطحن الأوروبية
على صعيد التكتيكات الفورية، يبدو أن الإجابة الآن في أوروبا هي السعي إلى تحقيق وفور جذرية في التكاليف في تصنيع السيارات. على عكس الولايات المتحدة، تهيمن السيارات الصغيرة على السوق الأوروبية. وتُعَد عروض الصين الجديدة جذابة في تصاميمها، ووفق العديد من الانطباعات الأولى، هي مصنوعة في شكل جيد ولافت للنظر.
المركبات الكهربائية الصينية رخيصة في شكل مذهل، إذ من المتوقع أن يصل سعر بعضها إلى نحو 19 ألف دولار فقط في بريطانيا
الأهم من ذلك، أن المركبات الكهربائية الصينية الصنع رخيصة في شكل مذهل، إذ من المتوقع أن يصل سعر بعضها إلى 15 ألف جنيه إسترليني (نحو 19 ألف دولار) في بريطانيا. ويدفع ذلك شركات تصنيع السيارات الأوروبية إلى العمل لتشكيل شراكات، بعضها مع بعض، وأحياناً بالتعاون مع علامات تجارية صينية، بغرض التوصل إلى تسعير متدنٍّ. تقدم شركة "سيتروين" الفرنسية لتصنيع السيارات الآن نموذجاً يُسمَّى "إي-سي3"، ويُباع بسعر منخفض يصل إلى 23 ألفاً و300 يورو (نحو 25 ألف دولار)، وتأمل "بيجو" و"فيات"، المملوكتان لمجموعة تُسمَّى "ستيلانتيس"، في أن تتمكنا قريباً من بيع مركبات كهربائية بأقل من 20 ألف يورو (نحو 22 ألف دولار).
في الصين، يمكن الحصول على مركبات كهربائية صغيرة ذات ثلاثة أبواب من علامات تجارية مثل "وولينغ" في مقابل أقل من 32 ألفاً و800 رنمينبي (نحو أربعة آلاف و500 دولار)؛ وخفضت "بي. واي. دي." أخيرا سعر أرخص مركبة كهربائية، وهي "سيغال هاتشباك" ذات الأبواب الخمسة، إلى 69 ألفاً و800 رنمينبي (نحو تسعة آلاف و700 دولار).
في مقابلة مع "فايننشال تايمز"، أعطى دينيس لو فوت، رئيس علامة "داسيا" التجارية التابعة لـ"مجموعة رينو"، نكهة لما يعنيه هذا الاتجاه في الأسعار. قال: "ليس لدينا شيء لا لزوم له في [طرازات السيارات المنخفضة التكلفة]. ليست لدينا 22 شاشة، وليست لدينا مقاعد كهربائية، و[هذا النهج] يتردد صداه أكثر فأكثر، لأن بعض الناس يقولون: لا تنفقوا أموالكم على أشياء عديمة الفائدة. نحن لا نضع مادة الكروم في السيارة. لماذا؟ لأنها لامعة وغير مجدية. نحن فقط نستغني عنها تماماً".
ما قد يكون عديم الفائدة أيضاً هو على صعيد المركبات ذات الأسعار المنخفضة، قد تكون محاولة التغلب على الصين في مجال السعر مجرد محاولة حمقاء. هذا ما يعد به العصر الجديد الذي افتتحه وصول "إكسبلورر 1": كانت الصين معروفة حتى الآن لدى المستهلكين الغربيين بأنها منتج للمنتجات الرخيصة التي تملأ رفوف متاجر "والمارت". وهي الآن تنفّذ اندفاعاً في الغرب، حيث القوة الشرائية، لصالح منتجات ذات قيمة أعلى وقيمة مضافة أعلى – بما في ذلك السيارات والرقائق وطائرات الغد.
قلق الشركات الألمانية
حتى في الطرف الأعلى من سلسلة الإنتاج، لا تشعر الشركات الألمانية العملاقة المصنعة للسيارات، مثل "بي إم دبليو" و"أودي"، بالارتياح في هذا الصدد. نعم، هي تأمل في التمسك بالطرف الأعلى من السوق، لكنها ترى أن الأخطار هنا ذات شقين. قد تستحوذ الصين بسرعة على الطرف الأدنى من السوق أو تنتزع أرباحه كلها من المصنعين الأوروبيين. في غضون ذلك، ستبني "بي. واي. دي." الوعي بالعلامة التجارية الذي تفتقر إليه حالياً، وبينما تفعل ذلك، ستسعى بلا هوادة إلى الارتقاء بالسوق، تماماً كما فعلت "تويوتا" و"نيسان" في الولايات المتحدة في حقبة سابقة.
أما كيف حدث هذا مع السيارات وبعض المنتجات المتقدمة الأخرى، والأثر في الاقتصادات الغربية الغنية، فيحمل كلاهما عواقب هائلة.
قدمت الدولة الصينية دعماً هائلاً إلى لشركات السيارات الكهربائية، التي اعتبرتها استراتيجية. مثل دعم الأبحاث، الإعفاءات من رسوم الأراضي والحوافز الضريبية
باختصار، قدمت الدولة الصينية دعماً هائلاً إلى شركات القطاعات الصناعية، مثل قطاع السيارات الكهربائية، التي اعتبرتها استراتيجية. يأتي هذا الدعم في أشكال عديدة، من القروض المدعومة إلى دعم البحوث، والإعفاءات من رسوم الأراضي، والحوافز الضريبية. وأدى هذا إلى تدفق مصنعين جدد بشغف إلى قطاع تصنيع السيارات وغيرها من القطاعات، سعياً إلى اغتنام فرصة تاريخية للنجاح الصناعي مع تقليل الأخطار إلى حد كبير. هذا هو ما دفع سعر المركبات الكهربائية في الصين إلى مستويات لا يمكن تصورها، مثلاً، في السوق الأميركية. في نهاية المطاف، ستفشل العديد من هذه الشركات المبتدئة أو تستوعبها شركات أخرى، لكن في الوقت الحالي لا نهاية في الأفق للسباق على خفض التسعير إلى أقصى حد.
يصبح هذا صعباً في شكل خاص حيث تلتقي الاقتصادات بالجو السياسي. يمكن ملاحظة ذلك على أفضل وجه في اثنين من أكبر البلدان المعنية. في عهد الرئيس شي جين بينغ، واجهت الصين تراكمات من المشاكل الاقتصادية الخطيرة، من أزمة ديموغرافية تلوح في الأفق ذات أبعاد ساحقة محتملة إلى فقاعة عقارية سيئة الإدارة وتراجع مطرد في النمو الاقتصادي.
خلق هذا ما يبدو أنه إغراء لا يقاوم من جانب شي لمحاولة شق طريق بالتصدير للخروج من الصعوبات التي تواجهها البلاد، وتُعَد المنتجات ذات القيمة المضافة العالية، مثل السيارات الكهربائية والرقائق الميكروية، هي العامل الرئيس. ويبدو غياب الطلب الكافي حتى الآن في بقية العالم بما يمكّن الصين من تحقيق ذلك، أنه لم يكن له أي أثر رادع.
الانكار الأميركي
وهذا يعني أن من المرجح في المستقبل المنظور أن تستمر الدولة الصينية في تقديم دعم قوي إلى القطاعات المفضلة لديها وأن تصم آذانها عن الشكاوى المتعلقة بالإغراق أو غيرها من الممارسات التجارية غير العادلة. ووفق إعادة صياغة لعبارة شهيرة وضعها ثوسيديدس، سيضطر أولئك الأضعف من الصين إلى أن يعانوا من أي شيء ينبغي لهم أن يعانوا منه.
لا يزال الأميركيون مفتونين بسيارات الدفع الرباعي والمركبات الكبيرة، في وقت تتحرك السوق العالمية بسرعة في الاتجاه الآخر
ويتبلور بالسهولة نفسها في الوقت الحالي في الولايات المتحدة الجو السياسي الصعب بالقدر نفسه، حيث يبدو أن ثمة مزيداً من الإنكار حول مدى سرعة تحول طبيعة التجارة الدولية الآن. في الولايات المتحدة، يقلّص مصنعو السيارات أخيراً إنتاج المركبات الكهربائية أو يقللون أهميتها في تشكيلات منتجاتهم. وفي تكرار ظاهري لتاريخ الصناعة في أعقاب الصدمات النفطية في سبعينات القرن العشرين، لا ينفذ المصنعون في الولايات المتحدة، على عكس أوروبا، اندفاعاً نحو تطوير سيارات أصغر وأرخص.
من المؤكد أن بعضاً من هذا يرجع إلى تفضيلات المستهلكين، إذ لا يزال الأميركيون مفتونين بالشاحنات وسيارات الدفع الرباعي وغيرها من المركبات الكبيرة. مع ذلك، تتحرك السوق العالمية بسرعة في الاتجاه الآخر، وبحلول الوقت الذي يتصالح فيه صانعو السيارات في ديترويت مع هذا الواقع، يكون قد فات الأوان.
هنا بالضبط يأتي دور الجو السياسي الأميركي في هذا الشأن. حتى الآن، يبرز اعتقاد مفرط لدى الحزبين بأن التكتيكات الحمائية التي وُضِعت خلال عهد إدارة ترمب وعززها وصقلها الرئيس جو بايدن يمكن أن تتعامل مع هذا التحدي وحدها تقريباً، لكن هذا وهم.
من خلال وكالة حماية البيئة والتنظيمات والتدابير المتعلقة بالطاقة المدرجة في قانون خفض معدل التضخم، تغازل إدارة بايدن استراتيجيات السياسات الصناعية الخاصة بدول مثل الصين وتوفر الحماية إلى شركات تصنيع السيارات الأميركية.
مستقبل تصنيع السيارت مسألة أمن قومي أميركي
هي تحقق الحماية من خلال توفير إعفاءات ضريبية إلى المستهلكين الذين يشترون مركبات كهربائية مصنوعة محلياً، ما يجعل المركبات الأجنبية الصنع في وضع غير مؤات في السوق. لا يبدو هذا كافياً للتخلص من شركات تصنيع السيارات الصينية، لذلك بدأت واشنطن في استخدام مبررات أخرى للانخراط في مزيد من الحمائية. ويشمل ذلك الاتهام الجديد بأن المركبات الكهربائية الصينية تشكل تهديداً للأمن القومي لأنها تعتمد في شكل كبير على شبكات البيانات لكي تعمل.
ما تشترك فيه الصين والولايات المتحدة هو أن كلاً من مشكلتيهما بنيوية للغاية. يمكن ملاحظة ذلك في قطاعات عدة، من السيارات إلى الرقائق والطائرات وأكثر
مع ذلك، كُشِف هدف بايدن الحقيقي من خلال تعليقاته، عند طرح هذا الزعم الجديد. قال: "الصين عازمة على الهيمنة على مستقبل سوق السيارات، بما يشمل استخدام ممارسات غير منصفة. يمكن أن تغرق سياسات الصين سوقنا بسياراتها، مما يشكل أخطارا على أمننا القومي. لن أدع ذلك يحدث في ولايتي". بصراحة، يجادل بايدن بأن السوق المستقبلية للسيارات هي بالنسبة إلى شركات تصنيع السيارات الأميركية مسألة من مسائل الأمن القومي. ما لم يفسره أحد في فريق بايدن، ربما لأنه غير مفهوم، هو كيف ستضمن الحمائية الابتكار في مختلف مستويات أسعار السيارات وغيرها من المنتجات الصناعية المعقدة.
ومثلما ترتبط حظوظ الرئيس الصيني شي السياسية بمحاولة إيجاد مخرج للصين من ركودها الاقتصادي من طريق التصدير، يصبح مصير بايدن، وكذلك مصير الرؤساء الأميركيين في المستقبل، مرتبطاً في شكل متزايد بحظوظ الصناعة الأميركية القديمة. لكن من المؤسف أن دافعي الضرائب أنقذوا هذه الصناعة بالفعل مرة أخيراً، من دون أن تظهر هي أي ميل إلى شق طريق لها من طريق الابتكار نحو غد تنافسي قابل للاستمرار.
أعلن العديد من شركات صناعة #السيارات_الكهربائية في #الصين تسجيل مبيعات بنسب تفوق الـ10% في شهر مارس، بعد بداية بطيئة للعام بسبب العطلات الموسمية
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) April 2, 2024
ما تشترك فيه الصين والولايات المتحدة هو أن كلاً من مشكلتيهما بنيوية للغاية. يمكن ملاحظة ذلك في مجموعة من المجالات، من السيارات إلى الرقائق إلى الطائرات وأكثر. بالاعتماد الشديد على الإعانات، رسخت الصين براعتها كقوة عظمى في مجال التصنيع، لكنها تظهر استعداداً ضئيلاً للغاية لإعادة التوازن لصالح الاستهلاك المحلي الذي يقول حتى خبراء الاقتصاد في الصين أنفسهم إن الحاجة تدعو إليه.
على النقيض من ذلك، تضمحل الولايات المتحدة في شكل مطرد كقوة صناعية، إذ تعتمد قدرتها على التصنيع في عدد متزايد من القطاعات الرئيسة على حواجز من نوع أو آخر، أو على دعم مالي مباشر مقدم من الدولة.
من خلال السعي إلى ما لا نهاية للحصول على حصة في السوق، لا بد للصين من خداع نفسها، ومن خلال المحاولة اليائسة للصمود في صناعات قادتها بفخر ذات يوم، ستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه.