لسفارة الولايات المتحدة في بغداد موقع مثالي يطل على نهر دجلة، وهي سفارة ضخمة كانت معدة لاستيعاب أكثر من ألف موظف، لكن معظم مكاتبها اليوم خالية. وعند افتتاحها عام 2007، ضمت مكاتبها ممثلين من 14 إدارة ووكالة حكومية أميركية. ولم أزل أتذكر وقوفي بجانب السفير ريان كروكر خلال الحفل عندما أعلن أن افتتاح السفارة سيمثل بداية فصل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.
ومع ذلك، وبعد مرور سبعة عشر عاما، نجد أن عددا كبيرا من هذه الوزارات، بما في ذلك وزارة الخزانة والزراعة والتجارة، قد سحبت ممثليها من العراق. وتتزامن عمليات المغادرة، التي ترجع جزئيا إلى الهجمات المتكررة التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران، مع تحول التركيز الأميركي– منذ إدارة الرئيس باراك أوباما– بعيدا عن العراق نحو آسيا وأوروبا. ونتج عن ذلك كله أن فقد اتفاق الإطار الاستراتيجي الذي وقعه كروكر الاهتمام الذي كان يحظى به ذات يوم في واشنطن، حيث طغى عليه الصراع المستمر الذي يشمل الميليشيات الموالية لإيران والقوات الأميركية. واليوم، يستعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للسفر إلى واشنطن الأسبوع المقبل على أمل إعادة تنشيط هذا الاتفاق، على الرغم من المخاوف الأميركية السائدة بشأن النفوذ الإيراني في العراق.
التحول إلى علاقة أمنية جديدة
في أعقاب هجوم "داعش" في موسكو، أعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن مخاوف متجددة بشأن تهديد الجماعة. ولكن لا يجوز لعلاقة أقوى بين الولايات المتحدة والعراق أن تقوم فقط بسبب "داعش"، بل يجب أن يمتد التركيز إلى ما هو أبعد من ذلك. وكان تقرير مشترك صادر عن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين صدر في شهر فبراير/شباط قد قرر أن تهديد "داعش" في العراق "بات تحت السيطرة بشكل فعال،" وأن التنظيم قد تحول إلى مرحلة الحفاظ على الذات بدلا من شن أعمال عدائية متكررة. وشرح التقرير بالتفصيل كيف نجحت القوات العراقية في تقليص قدرات "داعش" والحد من حريته العملياتية. ويوضح هذا التقييم، الذي يأتي من مسؤولين أميركيين على الأرض في العراق، سبب اعتقاد السوداني أن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العراق قد أنهى مهمته بنجاح.
وأضاف التقرير إلى ذلك أن الضربات الأميركية بطائرات دون طيار ضد الميليشيات المدعومة من إيران كان لها "تأثير سلبي على العلاقات بين المستشارين الأميركيين والشركاء العراقيين". ويريد السوداني الآن تغيير الطريقة التي يعمل بها الجيش الأميركي في العراق للتخفيف من استياء الأجهزة الأمنية العراقية والميليشيات، بما في ذلك فروعها السياسية.
ولكن رئيس الوزراء العراقي يحرص على عدم المبالغة في تقدير هذه التغييرات، على الرغم من التصريحات السابقة الصادرة عن مكتبه والجيش العراقي التي تلمح إلى وجود مفاوضات بشأن انسحاب القوات الأميركية. وفي أواخر مارس/آذار، أدلى جنرال عراقي كبير لقناة "العربية" بتصريحات قال فيها إن العراق لا يحتاج إلى "قوات دولية كبيرة"، في إشارة إلى احتمال الاكتفاء بوحدة أصغر من القوات الأميركية.
وفي الوقت نفسه، يؤكد المسؤولون الأميركيون أنه لا يوجد ضغط من العراق أو إيران لسحب القوات الأميركية بالكامل، مشددين على المهمة المستمرة لتعزيز القدرات العسكرية العراقية. ولا نحسب أن اجتماع 15 أبريل/نيسان بين السوداني والرئيس بايدن سيدخل في مناقشات تفصيلية حول الأدوار المستقبلية للمستشارين العسكريين الأميركيين، بل لعله سيركز على تشجيع السوداني على تأييد النتائج التي توصلت إليها اللجان الفنية العسكرية التابعة للتحالف العراقي والتي تقوم بتقييم القدرات العملياتية والاستخباراتية لقوات الأمن العراقية. وتفضل إدارة بايدن تأجيل تحديد عدد المستشارين الأميركيين المستقبليين حتى تتضح المهام الموكلة إليهم.