رغم الغضب الدولي إزاء النهج الذي تتبناه إسرائيل في التعامل مع الصراع في غزة، فإن إسرائيل لم تتردد من خلال الغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق في الكشف عن أن أهدافها الاستراتيجية تمتد إلى ما هو أبعد من غزة. ثم جاء الحادث الذي قُتل فيه سبعة من العاملين في المجال الإنساني من المطبخ المركزي العالمي على يد طائرة إسرائيلية دون طيار أثناء تقديم الإغاثة للفلسطينيين ليثير إدانة واسعة النطاق من قادة العالم. وكان من بين الضحايا مواطنون من بريطانيا وبولندا وأستراليا وفلسطين ومواطنون مزدوجو الجنسية من الولايات المتحدة وكندا.
وتعهدت القوات الإسرائيلية بإجراء تحقيق مستقل في الحادث، وأصدر الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ اعتذارا علنيا عن الحادثة. ومع بلوغ عدد القتلى 180 من عمال الإغاثة في غزة منذ بدء الصراع قبل ما يقرب من ستة أشهر، وفق تقارير الأمم المتحدة، اتحد زعماء العالم في الدعوة لإجراء مراجعة شاملة لطريقة تعامل إسرائيل مع الجهود الإنسانية. وأثارت الوفيات الأخيرة انتقادات حادة بشكل خاص. وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن ضيقه وغضبه العميقين، منتقدا إسرائيل لفشلها في توفير الحماية الكافية للعاملين في المجال الإنساني في غزة، حيث يقف عدد كبير من المدنيين على حافة المجاعة، وفق التقارير. وشدد بايدن على ضرورة إجراء تحقيق سريع وشفاف من قبل إسرائيل، مطالبا بالمحاسبة.
وقد أعرب زعماء العالم، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، عن عدم موافقتهم على تعامل إسرائيل مع الوضع. وانتقد ألبانيز على وجه التحديد ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن الوفيات كانت خطأ غير مقصود، وانتقد تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن الخسائر في صفوف المدنيين هي نتيجة حتمية للحرب، ووصفها بأنها غير مقبولة، قائلا: "نحن بحاجة إلى التحقيق والمساءلة في كيفية حدوث ذلك، والشيء الذي لا يعتبر جيدا بما فيه الكفاية هو التصريحات التي تقدموا بها، بما في ذلك أن هذا مجرد نتاج للحرب".
أثارت الوفيات الأخيرة انتقادات حادة. وأعرب الرئيس الأميركي عن ضيقه وغضبه العميقين، منتقدا إسرائيل لعدم توفير الحماية للعاملين في المجال الإنساني
وأضاف: "إن هذا مخالف للقانون الإنساني، فالقانون الإنساني الدولي يؤكد بشكل واضح أن عمال الإغاثة يجب أن يكونوا قادرين على تقديم تلك المساعدات وذلك الدعم دون التعرض لخطر فقدان حياتهم".
وقد أثارت إدانة دور الجيش الإسرائيلي في عمليات القتل احتمال اضطرار إسرائيل إلى إعادة النظر في النهج المتصلب الذي تبنته في مواصلة هجومها العسكري ضد "حماس" في غزة.
وفي حين أن الضغط الذي تتعرض له حكومة بنيامين نتنياهو حاليا قد يدفع الجيش الإسرائيلي إلى مراجعة قواعد الاشتباك الخاصة به، فإن الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق يشير إلى أن الإسرائيليين مهتمون أكثر بتوسيع عملياتهم العسكرية، وليس الحد منها.
وقال مسؤولون في "الحرس الثوري الإيراني" إن سبعة من ضباطه قتلوا في الغارة الجوية الإسرائيلية، من بينهم العميد محمد رضا زاهدي، وهو قائد رفيع المستوى في "فيلق القدس"، ونائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي.
وعلى الرغم من أن القنصلية تعتبر جزءا من مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، إلا أنها تُعرف أيضًا باعتبارها قاعدة رئيسة يستخدمها "الحرس الثوري" الإيراني لإجراء عملياته العسكرية في المنطقة، ولاسيما الحفاظ على دعم طهران لـ"حزب الله" في جنوب لبنان.
إضافة إلى ذلك، يأتي الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية على خلفية التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، التي أدت إلى زيادة النشاط العسكري الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية في سوريا ولبنان في الأشهر الأخيرة. ويشير تصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في المنطقة إلى أن الإسرائيليين غير عازمين على حصر الهجوم العسكري الذي بدأ في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول على غزة وحسب.
وعلى الرغم من أن الإيرانيين قدموا دعمهم الضمني لـ"حماس" في حربها ضد إسرائيل، فقد حرصت طهران على عدم التورط في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين حتى الآن.
وبدلا من ذلك، شجعت إيران جماعات مدعومة من طهران مثل المتمردين الحوثيين في اليمن، و"حزب الله"، على القيام بعمليات لدعم "حماس". حيث أدى ذلك إلى قيام الحوثيين بشن سلسلة من الهجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ما تسبب في تعطيل الشحن الدولي بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، شن "حزب الله" سلسلة من الهجمات المحدودة ضد شمال إسرائيل بهدف زعزعة استقرار الحدود الشمالية لإسرائيل، متجنبا مواجهة عسكرية كبيرة مع الإسرائيليين في الوقت نفسه.
وفي حين أن اعتماد طهران على أذرعها في المنطقة يخدم هدف إيران العام المتمثل في عدم إثارة صراع كبير مع إسرائيل، فقد شجع هذا السلوك إسرائيل على الاعتقاد بأنها تستطيع التصرف دون عقاب فيما يتعلق بتنفيذ هجمات ضد أهداف إيرانية، مع شعورها بالأمان لأنها تعلم أن طهران لن ترد.
يعتقد الإسرائيليون أنهم يملكون حقا مشروعا في توسيع عملياتهم العسكرية لتشمل أهدافا إيرانية بسبب التأثير القاسي الذي تتسبب فيه الأنشطة العدوانية الإيرانية على إسرائيل.
وعلى الرغم من أن هجمات "حزب الله" ضد إسرائيل كانت محدودة النطاق حتى الآن، فقد نجحت مع ذلك في إجبار أعداد كبيرة من الإسرائيليين على ترك منازلهم في شمال إسرائيل، ما تسبب في ترك الكثير من البلدات والقرى الإسرائيلية في المنطقة مهجورة.
يأتي الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية على خلفية التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل
ومع ذلك، فإن مهاجمة أهداف بارزة مثل القنصلية الإيرانية في دمشق سوف تنظر إليها طهران على أنها عمل استفزازي كبير، وهو عمل يستوجب شكلا من أشكال الانتقام.
وقد تعهدت كل من إيران و"حزب الله" بالرد على هذا الهجوم، حيث حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من أن الضربة على العاصمة السورية "لن تمر دون عقاب".
قد تكون الحرب بين إسرائيل و"حماس" في غزة على وشك المرور بالذكرى الشهرية السادسة لها، ولكن مع تصميم إسرائيل الواضح على توسيع عملياتها العسكرية لتشمل أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، هناك احتمال واضح بأن صراعا إقليميا أكبر بكثير قد بدأ للتو.