في كتابه الصادر سنة 2005، يصف الكاتب البريطاني، سيمون ريف، المشهد في تل أبيب عشية إطلاق عملية "ينبوع الشباب" الشهيرة في بيروت سنة 1973، التي تعرف عربيا باسم "عملية فردان".
"دعا إيهود باراك ضباطه، وجلسوا حول طاولة بنية اللون فورميكا وسط مكتبه. أخرج صورا غير واضحة من مجلد على المكتب، وقال وهو يرفع كلّ واحدة منها على الطاولة: "أبو يوسف، كمال عدوان، كمال ناصر". الجميع كانوا يعرفون أسماءهم وصورهم جيدا. قال لهم باراك إن "الفرقة كلّفت باغتيالهم".
كان باراك يومها في الواحد والثلاثين من عمره، قبل سنوات طويلة من تسلّمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية في 1999، يقود فرقة عمليات خاصة تشبه فرقة "دلتا" الأميركية، مهمتها الثأر للرياضيين الإسرائيليين الذين قتلوا في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في مدينة ميونيخ الألمانية سنة 1972. الشخصيات التي كلّف بتصفيتها كانت من أبرز زعماء الفصائل الفلسطينية، يتقدمهم محمد يوسف النجار (أبو يوسف) القيادي في منظمة "أيلول الأسود" التي نفذت عملية ميونيخ. ترأس استخبارات حركة "فتح"، وكان مقربا من رئيسها ياسر عرفات، أمّا كمال عدوان فكان قائد عمليات منظمة التحرير الفلسطينية، بينما عمل رفيقه كمال ناصر في لجنتها التنفيذية. جميعهم كانوا يقطنون في أبنية في حي فردان السكني في بيروت، على مقربة من منطقة الحمراء التجارية، ومن الجامعة الأميركية في بيروت. لولا الحرب الدائرة في قطاع غزة اليوم والهجوم الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أيام لمرت ذكرى "عملية فردان" مرور الكرام، ولكنها تذكّر بمدى رغبة إسرائيل في الثأر من أعدائها، وعزمها على مطاردتهم واحدا تلو الآخر، وقتلهم بأبشع الطرق. وهي تذكير بأن إسرائيل هي نفسها، لا تتغير ولا تغفر، ولا تسامح، ولا يهمها إن كانت أهدافها موجودة على جبهات القتال أو في مناطق سكنية مكتظة بالسكان، فمن ضرب وسط بيروت هم أنفسهم الذين ضربوا وسط دمشق في 1 أبريل/نيسان 2024.
التحضير لعملية "ينبوع الشباب"
قبل تنفيذ العملية بأشهر، باشرت إسرائيل جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن أهدافها الثلاثة، محمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأرسلت عميلة سرية باسم حركي "نيلسن" إلى بيروت، ادعت أنها باحثة تقوم بالتحضير لعمل تلفزيوني عن رحالة بريطانية زارت بلدان الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر. استأجرت "نيلسن" شقة في فردان قرب المباني التي يقيم فيها القادة الفلسطينيون، وصورت تحركاتهم، وكل تفاصيل العمارات التي كانوا يسكنونها، مع معلومات كاملة عن قاطنيها والشوارع المحيطة بها.