وإذ يرتجل السيوي موقفا شخصيا في حواره مع مخلوقات تتشكل في سياق تركيبه لحكاية ما، إنما يعبر عن رغبته في كسر الحاجز الذي يفصل بين الواقع والوهم. يعرف أن قوة الفن تكمن في ذلك المزج الساحر بين الواقع الذي يتشكل من مواد، بعضها وهمي، وبين الوهم الذي يرتب أحواله كأنه واقع. حالتان تمتزج من خلالهما الأصوات والأشياء والأفكار، ناهيك عن الشخصيات التي تتحرك كالأشباح.
الجزء المنسي
يمر السيوي عادة بالحكاية بطريقة غنائية، غير أنه في مراحل متقدمة من إنجاز لوحته لا يعبأ بها كثيرا، سيخفف من وطأتها بحيث لا تصبح عبئا على الرسم أو عقبة في طريقه. فهو لا يميل إلى الوصف بقدر ما يميل إلى محاورة كائناته التي يستخرجها من عالم شديد الاعتزاز بحسيته.
نرى في لوحاته قوة الشبق والشهوة وضراوة التمسك بالوجود، حلا لانعتاق الإنسان من وجوده الفاني. يتحرر الفنان من الحكاية بالقوة نفسها التي يتحرر من خلالها من الواقع. وهو على العموم واقع استثنائي لا يصلح للوصف لأنه يقع مرة واحدة، وهو لا يُعاش إلا أثناء عملية الرسم. وتلك عملية معقدة يعيشها السيوي بمتعة مَن يرى كائناته ويتعرف إليها للمرة الأولى وهو يعرف أنه في طريقه إلى التحرر منها. وإنا على يقين من أن ما نراه في لوحاته وقد عُلقت للعرض، ليس هو ما سبق أن رآه وهو يرسم. لقد اندثر أو مُحي عالم، يعرف الفنان أنه سيكون جزءا من وقائعه المنسية.
الرسام يقتل كائناته
يشبع السيوي الكائنات التي يخترعها حبا. في مرحلة أخرى يقتلها. في الحالين يراها قد عاشت حياتها كاملة. لا يتعلق ذلك الخلاص بزمن ومكان محددين. ذلك لأن الفنان يرسم كمَن يقتفي أثرا لحقيقة ضائعة. كم من العاطفة يحتاج الحب؟ كم من الألم تحتاج التضحية؟ سؤالان ينسجان خيوط عالم شقي، يتعذب السيوي كثيرا من أجل أن يتخلص منه بعد أن يضعه على لوحاته.
علينا ونحن ننظر إلى لوحاته، أن نفكر في شقائه وشقاء تلك الكائنات التي رُسمت ومن ثم مُحيت، غير أنها لم تتخل عن وجودها الشبحي. من خلالها يلوح الفنان لنفسه بسؤال وجودي "ما المسافة التي تفصل بين الواقع وخياله في حقيقة وجودنا؟". ذلك سؤال يلزم صاحبه أن يتجرّد من تأثير قوتي الواقع والخيال من غير أن يؤدي دور الشاهد.
لا يؤمن السيوي أصلا بوظيفة الشاهد حين يتعلق الأمر بالرسم. واقعيا هناك الكثير من الخيال الذي يخلخل الهواء بين عظامه، وخياليا هناك الكثير من الوقائع التي تترسب مثل الطين في مجرى مياه صاخبة. الرسم ليس هنا وليس هناك أيضا. فهو حين يمرر حكاياته، لا يريد لها أن تتحول إلى يقين بصري. ما نراه لن يحتفظ إلا بشيء قليل من إلهامها، أما ما يتبقى من الإلهام فإنه مستوحى من الرغبة في نسيانها. نحن نروي الحكايات لكي ننساها.
لكي لا يكون صمت
يستعيد عادل السيوي شؤون الخليقة منذ آدم. بطريقة أو بأخرى سيجد نفسه مشتبكا بالخرافة بأسلوب نقدي. لكن أسئلة الرسم تظل شاخصة وهي التي تتحكم بمساره. ليس من أجل التعرف إلى الخطأ والصواب. تلك مسألة ثانوية. ولكن من أجل أن لا يكون الصمت حدثا ثانويا. ما معنى ذلك؟ يرسم السيوي وقائع متخيلة جرى التوافق على أنها جزء من التاريخ المجاور، غير أنه في محاولته لاخراجها من ذلك الحيز، يمحو الكثير منها ليبقي القليل. تلك نبوءة مرحة بأن الجمال قليل. وهو كذلك. بل أنه يقل كلما ارتطمنا به. الجمال ليس صنيعا بشريا.