وصل شهر رمضان إلى سوريا هذا العام كئيبا، فلم تتبقّ من الشهر الفضيل سوى ذاكرة الأجيال الماضية عنه، بعدما فقدت أدنى المعايير الاجتماعية والثقافية جراء سنوات الحرب والفقر الذي ترزح تحته الأُسر السورية. وإذ يعيش السوري على أمل خلاص البلاد من ظروفها الصعبة، فإن ما يتبقى له في شهر رمضان ذاكرة اجتماعية وثقافية لا يعرف إن كانت ستعود يوما.
قبل الحرب الدامية، كان لشهر رمضان في سوريا بعد جمالي خاص، يتحول الديني والروحي خلاله إلى مظهر جمالي. فسوريا إحدى أكثر الدول التي يحولها شهر رمضان إلى شكل ومظهر مختلفين، حيث تستحوذ الطقوس والشعائر الممتزجة بممارسات اجتماعية وفنية، على الفضاءين الخاص والعام. فتملأ أشكال الزينة المختلفة الشوارع، وتتردد أصوات صلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم لتنشر لحنا جديدا عبر الشوارع.
أما "السُكب" المتنقلة بين البيوت، فكانت تشكل بعدا اجتماعيا يجري خلاله تبادل الطعام بوصفه تبادلا لسحر خاص، ولقيمة الخير والبركة، فكل وجبة طعام هي زيارة عائلية لمائدة الآخرين. كانت ثقافة المائدة ترسم لغة رمضانية خاصة، وشكلا للتضامن يمارسه السوري كتعبير قيمي ورمزي وعائلي، وامتداد عاطفي حميمي. يتمتع السوري بمطبخ بالغ الثراء يجعل العائلات توزع أياما على أكثر من ستين صنفا، فثقافة المائدة تنمو خلال هذا الشهر بإبداع ملحوظ، وخيرات منطقة بلاد الشام والمتوسط تجعل للشهر الكريم تاريخا معادا، فنا واستذاقة وإبداعا وحميمية، وتحقق تبادلية أشبه برابط قرابة جديد بين الصائمين وغير الصائمين.