مضت ستة أشهر على حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي عرفت باعتبارها أطول حروبها بعد إقامتها (1948) وأكثرها قسوة ووحشية وكلفة من النواحي البشرية والمادية والسياسية، بالنسبة لطرفيها المباشرين، مع الفارق الهائل لصالح إسرائيل طبعا.
تتميز الحرب هذه، أيضا، بأنها الثانية التي لم تبدأها إسرائيل، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول (1973)، التي بادر إليها الجيشان المصري والسوري، في حينه، لكنها الأولى التي يبدأها فصيل فلسطيني، هو "حماس"، باقتحام مقاتليه مستوطنات غلاف غزة (7/ 10/ 2023)، والذي نجم عنه مصرع مئات من الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، وأخذ عدد غير مسبوق منهم كأسرى.
بيد أن ما يجدر لفت الانتباه إليه أن هجوم "حماس" ليس معزولا عن السياق التاريخي للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، الناجم عن النكبة، بإقامة تلك الدولة، وولادة مشكلة اللاجئين، وتاليا احتلال باقي الأراضي الفلسطينية (1967)، وانتهاج إسرائيل سياسة استعمارية وعنصرية وقمعية ضد الشعب الفلسطيني من النهر إلى البحر، وتملصها من عملية التسوية، وفرضها الحصار المشدد على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة (منذ عام 2007)، وشنّها عدة حروب مدمرة عليهم.
مع ذلك، فبعد 180 يوما بلياليها، لم تنته تلك الحرب بعد، ولا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي، بعد ضحايا من الفلسطينيين يزيد عددهم على أكثر من 130 ألفا، بين قتلى وجرحى وأسرى ومفقودين تحت ركام الأبنية المدمرة، إضافة إلى تدمير 70 إلى 80 في المئة من بيوت وعمران غزة، وبُناها التحتية، وما يقارب مليوني نازح، يعانون ظروفا مأساوية في الخيام أو في العراء، وعلى الطرقات، أغلبهم يفتقدون لقوت يومهم.
أما من جهة إسرائيل، فهي رغم كل ما تقدم، أي رغم طول الزمن، وخسائر الفلسطينيين الباهظة، وحرب الإبادة التي تشنها ضدهم، بشكل غير مسبوق، فإنها لم تستطع القضاء على القوة العسكرية لـ"حماس"، رغم كل ما تكبدته هذه من خسائر، كما لم تستطع تحرير أي من الأسرى أو الرهائن الإسرائيليين لديها، ما شكل إخفاقا أمنيا واستخباراتيا وسياسيا لها.
في هذه الحرب، خسرت إسرائيل على الصعيد السياسي كثيرا، رغم كل ما فعلته بفلسطينيي غزة، بحكم جبروتها العسكري، كما خسرت صورتها في العالم كضحية، وبانكشاف حقيقتها كدولة استعمارية وعدوانية وعنصرية، تقوم بحرب إبادة، غير عابئة بالرأي العام، ولا بالمعايير الإنسانية.
وفي هذا الإطار، أكدت المظاهرات التي عمّت عواصم ومدن الدول الغربية، وضمنها الولايات المتحدة، عن اتساع التضامن مع الفلسطينيين وتفهّم قضيتهم، وهو ما توج بإدانة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وإصدار الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرارين يدينان إسرائيل، أيضا، ويطالبان بوقف نهائي لتلك الحرب، علما أن الإدانة شملت عملية "حماس"، وطالبت بتجنّب استهداف المدنيين، فلسطينيين وإسرائيليين.