لم يقف المخرج البريطاني اليهودي جوناثان غليزر، في كلمة فوزه في أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن رائعته "منطقة الاهتمام"، ليشجب هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مثلما كان يتوقع البعض منه، بل آثر الوقوف على أصل المشكلة التي أدّت وتؤدّي، بحسب قوله، إلى سقوط ضحايا مدنيين من الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، وهي الاحتلال الإسرائيلي، كما اختار ألا يغمض عينيه عن المأساة المروعة في غزّة، رافضا استغلال، بل كما قال اختطاف، الهولوكوست (موضوع فيلمه الفائز) واليهوديّة ذريعة لارتكاب إبادة جديدة على يد الإسرائيليين أنفسهم هذه المرة.
"مثل يهوديّ"
موقف غليزر هذا يبدو أنه كان صادما في وضوحه الأخلاقي والسياسي، لكثير من مؤيدي إسرائيل ومن أنصار ما ترتكبه حكومة نتنياهو، ممن شعروا أنه أمر ملحّ وجوهري، أن يخرجوا ببيان مضاد، أريد له أن يبدو ضخما و"تمثيليا" للصوت اليهودي، على اعتبار أن غليزر وأمثاله من مناهضي الحرب والاحتلال، ليسوا يهودا حقيقيين أو مخلصين، بل هم "مدّعو يهودية"، وفق ما يدلّ عليه مصطلح جديد صاغه بعضهم وهو As a Jew أو "مثل يهودي" ليكون وارثا جديدا متوافقا مع راهن الأحداث، لمصطلح "اليهودي كاره ذاته"، فأيّ صوت يرتفع فوق صوت الإبادة في هذا التوقيت الحساس، هو صوت خائن في الحدّ الأدنى، وليس يهوديا في الحدّ الأقصى، أي أنه خارج على الملّة، إذا ما استخدمنا لغة التكفيريين الإسلامويين. بل إن بعضهم ذهب إلى أن يعيد تقييم فيلم "منطقة الاهتمام"، بعد مراجعات إيجابية سابقة، ليعتبره على ضوء تصريحات غليزر الأخيرة، فيلما ملتبسا، لا يخدم القضية التي ينبغي لأيّ فيلم عن الهولوكوست خدمتها، وهو أن يصبّ في خدمة صورة اليهود عن أنفسهم بوصفهم ضحايا أبديين، بل إنهم هم الضحايا مع ألـ التعريف، وكلّ من عداهم مجرّد ضحايا عاديين وأقلّ شأنا، وفي نهاية المطاف في خدمة صورة إسرائيل بوصفها ملاذا أبديا لأولئك الضحايا الأبديين.
مشاركة في المجهود الحربي
بيان الألف عامل يهودي في مجالات إبداعية وفنية (والذي واجهه قبل أيام قليلة بيان آخر يدافع عن غليزر)، ليس مجرّد تصويب للاتجاه من قبل داعميه والمبادرين إليه، لكنه في حدّ ذاته مشاركة في المجهود الحربي لنتنياهو وحكومته المتطرّفة. وإذ يغض الطرف في طبيعة الحال عن حرب الإبادة التي تشنّها هذه الحكومة دون هوادة منذ ستة أشهر سقط خلالها ما لا يقل عن 33 ألف قتيل فلسطيني، ودمّرت مدن فلسطينية بأكملها، فإنه يحاول امتصاص أو حجب الصورة الحقيقية لآلاف اليهود حول العالم (منهم للأسف قلة نادرة في إسرائيل نفسها)، ممن رفعوا عقيرتهم شجبا لهذه الحرب، وإدانة لما أدانه غليزر، أي الاحتلال الإسرائيلي، ودعوة إلى "تحرير فلسطين"، أي ببساطة: إنهاء الاحتلال.