ربما يكون مجلس الأمن الدولي قد احتاج إلى أكثر من خمسة أشهر لإصدار قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. ولكن تمكن المجلس في النهاية من معالجة هذه القضية حقيقةٌ تثبت التأثير المتنامي الذي يتركه الصراع في غزة على مجموعة من المؤسسات العالمية.
قبل الهجوم الفتاك الذي شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان النزاع الممتد بين إسرائيل والفلسطينيين قد استحال إلى حالة من الشلل التام. وبينما واصلت إسرائيل جهودها لتطبيع العلاقات مع الدول العربية، كانت توسع برنامجها الاستيطاني في الضفة الغربية، فيما كانت تتناءى شيئا فشيئا وتغيب عن الذكر.
من اللافت للنظر أن موضوع الدولة الفلسطينية ظل بعيد المنال منذ التوقيع على "اتفاق أوسلو" قبل ثلاثة عقود من الزمن، وتفاقم هذا الموضوع بسبب الانقسامات الحادة داخل القيادة الفلسطينية، وخاصة بين "حماس" في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وكان الاهتمام الضئيل بالقضية الفلسطينية في المسار المستقبلي للشرق الأوسط واضحا بشكل صارخ في "اتفاقات أبراهام"، التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والتي شهدت قيام كثير من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون معالجة القضية الفلسطينية بشكل كبير.
أما الآن، وفي أعقاب الصراع في غزة، فنرى أن الحاجة الملحة إلى حل القضية الفلسطينية ترتقي بسرعة لتغدو أولوية قصوى بالنسبة لزعماء العالم، الأمر الذي يسلط الضوء على الاعتراف الجماعي الجديد بالحاجة إلى حل دائم. وقد أصبح هذا التحول واضحا بشكل خاص في الأمم المتحدة، حيث يعكس الإجماع الساحق على وقف الأعمال العدائية في غزة واحدا من أهم التحولات السياسية فيما يتصل بالمنطقة منذ عقود من الزمن.
تقليديا، دافعت الولايات المتحدة بقوة عن تصرفات إسرائيل في الأمم المتحدة، بغض النظر عن طبيعتها، وكان الموقف الافتراضي للولايات المتحدة هو الدفاع عن الإسرائيليين، بغض النظر عن مدى استفزاز أفعالهم. ويمتد هذا الاتجاه من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى العمليات العسكرية الأخيرة في جنوب لبنان وغزة. وعبر مختلف الإدارات، الديمقراطية والجمهورية، قدمت الولايات المتحدة باستمرار الدعم الدبلوماسي لإسرائيل، حتى في الحالات التي كانت هناك انتقادات مفتوحة للأفعال الإسرائيلية.
ولذلك، فإن اختيار إدارة بايدن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، إلى جانب إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم "حماس"، هو بكل تأكيد لحظة محورية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وقد يكون لهذا القرار آثار دائمة على المشاركة الأميركية الأوسع في المنطقة.