لم يبق لكل ذي عينين مجال لأن يشك في النيات تجاه الأردن. إنها نيات سيئة للغاية. لقد هيمنت إيران، ذات النفس الطويل، على صناعة القرار السياسي في العراق وسوريا ولبنان، وأكملت إطباق الفك المفترس عبر الحوثيين في اليمن، ومن الطبيعي أن يكون هدفها المقبل هو الأردن. هكذا اتضحت صورة الهلال الصفوي الذي لم ولن يطلق رصاصة على إسرائيل، ولم يفعل شيئا لنصرة أهل غزة، فعدوّه هم العرب وحدهم دون غيرهم، ولن يتوقف عن محاولة حكم العالم الإسلامي وفرض هيمنته عليه، خصوصا أنه لا يخسر الكثير من الأرواح، فجنده هم بعض العرب الذين يحاربون بقية العرب، أو بعبارة أخرى، من يُقتلون هم عبيده وليسوا من أبنائه الحقيقيين.
أعمال الشغب التي يفتعلها "الإخوان المسلمون" بين حين وآخر في عمّان، ليست سوى إرهاصات ومقدّمات للدعوة إلى ثورة دموية في بلاد النشامى وضد الحكومة الهاشمية. لا شك لديّ في وعي الأخوة الأردنيين وحرصهم على سلامة بلادهم، وأنهم لن ينخدعوا بدعاوى الثوريين فيحدث لهم ما حدث لجيرانهم ولبلاد عربية أخرى، من دمار وفوضى.
مما لا شك فيه أن أعمال الشغب التي تحدث في الأردن بين حين وآخر هي بأوامر وتوجيهات من طهران. فعلاقة إيران بـ"الإخوان المسلمين" قديمة وليست بنت البارحة، وليست من قبيل التخادم بل هي علاقة السيد بالعبد، على حد تعبير هيغل. هذا لم يمنع إيران من أن تشجع التيار القطبي لكي يكون قدوة لكل الثوريين، بمن فيهم الصفويون، على الرغم من اختلاف المذهب، لأن القطبية منذ بدايتها كانت قريبة من إيران، من قبل أن تقوم الثورة الخمينية في 1979 بل تمتد إلى قبل ذلك بعقود. سقوط الأردن، لا قدر الله، لن يعيد فلسطين، بل سيكون خطوة كبيرة لإنهاء القضية الفلسطينية نهاية غير عادلة حين يهجّر أبناء الضفة الغربية إلى المملكة الهاشمية. هذا هو مشروع محور الممانعة المزعومة، ممانعة لم تنفك تسلط خناجرها ومخدراتها على المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.
يجب أن نتوقف عن النظر إلى "الإخوان" على أنهم تيار إسلامي سني، فلا هو سني ولا شيعي، بل هم تيار صفوي بامتياز
محور الاعتدال الذي تمثله السعودية ومصر والإمارات بدوره لن يقف مكتوف الأيدي وسيعتبر أن استهداف الأردن هو بمثابة إعلان حرب، وكما يقول المثل عندنا "ما دون الحلق إلا اليدين"، وعلى إيران أن تدرك هذا جيدا، فليست كل التجاوزات تمرّ.
كيف أصبح دعاة "الإخوان" عبيدا لإيران؟ في الواقع هم منذ بداياتهم كانوا أصدقاء للجميع ما عدا العرب. وبعدما أودعهم عبد الناصر السجون لفترة طويلة، ثم أخرجهم منها السادات مع بداية سبعينات القرن الماضي خرجوا ونفوسهم كلها حقد على كل الحكام العرب، بل وبعضهم يكفّر الشعوب العربية نفسها. إنهم حلفاء لإسطنبول، التي باعتهم بسعر بخس أخيرا، وحلفاء لإيران، بل وحلفاء لأميركا، وقبلها كانوا حلفاء لبريطانيا أيام الانتداب البريطاني على مصر، كما يظهر في كتاب "شؤون سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي" لمؤلفه مارك كيرتس، وهو نص يحتوي على الكثير من الوثائق البريطانية، حيث وصل بهم الأمر إلى رفض القيام بعمليات عسكرية ضد المحتل، دعا إليها حزب الوفد الليبيرالي، في تلك الأيام. من هنا يبدأ التصحيح، مع كرهي للتقسيمات الطائفية، بأن نتوقف عن النظر إلى "الإخوان المسلمين" على أنهم تيار إسلامي سني، فلا هو سني ولا شيعي، بل هم بلا شكّ تيار صفوي بامتياز.