خلال الصراع الإقليمي الشديد الذي امتد قرابة نصف السنة إثر هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجاوزت الأطراف كافة كثيرا من الخطوط الحمراء التي كانت تقليديا تحافظ على مستوى ما من الاستقرار في المنطقة. وانضاف إلى سلسلة الأحداث الكبيرة التي هزت المنطقة مؤخرا حدث جلل في الأول من أبريل/نيسان، عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية قسما من القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، قضت على الفور على قيادة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني في سوريا ولبنان، بقتل العميد محمد زاهدي وكبار ضباطه، من أمثال العميد حسين أمين الله، والعميد الحاج رحيمي، وكلهم لعبوا دورا محوريا في دعم الفصائل الفلسطينية.
لا يمكن المبالغة في حجم هذه الضربة الدقيقة، التي استهدفت مبنى بأكمله داخل مجمع القنصلية الإيرانية وسوّته بالأرض، فيما يعتبر هجوما على أراض إيرانية ذات سيادة. وبقتلها زاهدي، حيّدت إسرائيل أحد أبرز المحاربين القدامى في "الحرس الثوري" الإيراني ذوي الخبرة العالية. كان زاهدي في السابق يقود القوات الجوية والبرية لـ"الحرس الثوري"، وكان أقوى جهة اتصال لإيران على خط المواجهة الأكثر نشاطا وحيوية لـ"المقاومة"، مع "حزب الله"، ونظام بشار الأسد. وفي سلسلة من الصور التي عُرضت مؤخرا لأول مرة في وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية ومصادر "الحرس الثوري"، يمكن رؤية زاهدي يقف مع قاسم سليماني وإسماعيل قاآني وحسن نصر الله وعماد مغنية، في مؤشر واضح على مكانته الكبيرة كقائد مخضرم من أقوى الشخصيات في "الحرس الثوري" نشاطا وقيمة.
وفوق ذلك، لعب زاهدي دورا محوريا خلال المراحل الأولى من الاحتجاجات المدنية السورية في ربيع عام 2011، حيث أُرسل إلى دمشق لقيادة عمليات دعم "الحرس الثوري" لقمع الحكومة السورية الوحشي للمعارضة السياسية. وأدى تورطه في سوريا، واتصاله بـ"حزب الله"، ودوره في توزيع الأسلحة الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة، إلى فرض عقوبات عليه من دول متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وكندا وأستراليا.