حيفا- أثار امتناع الولايات المتحدة عن استعمال حق النقض (فيتو) على مشروع قرار الدول غير دائمة العضوية بخصوص وقف إطلاق النار في غزة (25/ 3/ 2024) موجة من النقاشات حول ما سيتركه هذا الامتناع من أثر على معادلة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحديدا العلاقة بين الإدارة الأميركية ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
برأيي يخطئ من يعتقد أن المناوشات العلنية بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وامتناع الولايات المتحدة، لأول مرة منذ بداية حرب إسرائيل على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي بمثابة تحول وبداية انتصار للموقف الأميركي الذي يطالب بوقف مؤقت للحرب وإدخال المساعدات الإنسانية- وهي مطالب محدودة وأقل بكثير مما هو مطلوب- على الموقف الإسرائيلي المتمثل في موقف نتنياهو باستمرار الحرب ودخول بري لرفح.
التجربة التاريخية تفيد بانتقال جدي من قدرة معقولة للرئيس الأميركي وإدارته للضغط على إسرائيل من خلال إرغام رؤساء وزرائها من الليكود بقبول حلول وسط مع العرب والفلسطينيين، إلى وضع يضغط به رئيس الوزراء الإسرائيلي على الرئيس الأميركي ويجبره على التخلي عن مواقفه بالنسبة للعلاقة بين إسرائيل والعرب عموما، والفلسطينيين بشكل خاص. قد تكون أهم التجليات لادعائي هذا في حدثين. الأول، قمة كامب ديفيد عام 1979 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن الذي كان أول رئيس وزراء إسرائيلي من حزب الليكود اليميني، والرئيس المصري محمد أنور السادات، عندها قام الرئيس الأميركي جيمي كارتر بإجبار بيغن على قبول اتفاق الإطار الذي بموجبه انسحبت إسرائيل من سيناء وفككت المستوطنات كلها في شبه الجزيرة. والثاني، هو توجه نتنياهو إلى الكونغرس الأميركي عام 2013 وخطابه به متحديا موقف الرئيس باراك أوباما، وإجباره على التنازل عن مطلبه بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية واندفاعه بشأن تسوية إسرائيلية- فلسطينية مبنية على أساس حل الدولتين. أي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أثبت أنه يملك من أدوات الضغط على الرئيس الأميركي وخصوصا في السياسة الأميركية الداخلية، أكثر مما يمتلك الرئيس الأميركي من أدوات ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، عموما، وفي السياسة الإسرائيلية بشكل خاص.
في الحرب المستمرة على غزة وأهلها، ومع بداية الحرب على خلفية هجوم "حماس" على غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023 بدا واضحا أن جميع الدول الغربية، وبقيادة الولايات المتحدة، قد أعطت إسرائيل دعما غير محدود في الحرب، بما في ذلك استهداف الغزيين وترحيلهم وقتل وجرح عشرات الآلاف منهم، حتى إن قادة الدول أتوا إلى إسرائيل في زيارات متصلة ليعبروا عن دعمهم هذا وبالتالي إعطاؤها "شيكا مفتوحا" في حربها على قطاع غزة. قادت هذا التوجه الولايات المتحدة، الحليفة الأهم لإسرائيل، وبقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.