لم تنتشر عبارة fake news (الأخبار الزائفة) على نطاق واسع إلا خلال التسعينات من القرن الماضي، حيث عملت بعض البرامج التلفزيونية الساخرة على توظيفها بهدف ممارسة الانتقاد من طريق السخرية وترويج أخبار تعلن مبدئيا عدم صدقيتها، وبعدها عن "الواقع". يعطي قاموس كمبريدج هذه الأخبار التعريف التالي: "إنها حكايات خاطئة تأخذ مظهر أخبار، وتُنشر عبر الإنترنت أو عبر وسائط أخرى، وهي تُوضع إما بهدف التأثير على الرأي السياسي، وإما لمجرد المزحة والإثارة". من جهته، يحدّد "معهد أوكسفورد للدراسات الحاسوبية للدعاية" الأخبار الزائفة بأنها "معلومات مغلوطة أو خادعة أو غير صحيحة، تزعم أنها معلومات حقيقية تتعلق بالسياسة أو الاقتصاد أو الثقافة".
مع العقد الثاني لهذا القرن، ومع انتشار الوسائط الجديدة وتعدّد منابرها، لم تعد العبارة تحيل إلا إلى الحكايات المضللة المخترعة اختراعا، والمبثوثة عبر الشبكة العنكبوتية. ومع تطور هذه الشبكة، وازدهار الصحافة وتنوعها، اتسع مجال هذه الأخبار. بل إن هناك من يرى أنها اتخذت شيئا فشيئا طابعا لا يخلو من مسحة مأسوية، خصوصا عندما غدا من غير اليسير تمييز الأخبار الصحيحة من "الأخبار الزائفة". إذ غالبا ما نجد أنفسنا اليوم أمام مزيج من الأخبار يكون علينا غربلته وتمحيصه لمعرفة صحيحه من زائفه. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن تلك الغربلة تقتضي أن نأخذ في الاعتبار، وفي الوقت ذاته، مقصد المزيف، ومدى صلة الخبر بما يخبر عنه، وكذا الصيغة التي صيغ بها، والأسلوب الذي اتخذه. وقد أجرى أحد المعاهد في الولايات المتحدة سنة 2017 بحثا بهدف تحديد هذه "الأخبار الزائفة"، فانتهى إلى الإقرار بصعوبة هذا التحديد لكون تلك الأخبار تطرح مشاكل عديدة، وكون الأشخاص الذين استجوِبوا لم يكونوا ليميزوا في الغالب بين ثلاثة أنواع من الأخبار: الأخبار المخترعة بهدف جني فوائد مادية، أو القضاء على صدقية الغير، ثم الأخبار التي ترتكز على أساس صحيح، إلا أنها تُقَدم حسب وجهة معينة بهدف خدمة غرض بعينه، وأخيرا الأخبار التي تقلق راحة الناس، أو تلك التي لا يكونون على وفاق معها".
غالبا ما نجد أنفسنا أمام مزيج من الأخبار يكون علينا غربلته وتمحيصه لمعرفة صحيحه من زائفه
ما يمكن أن نستخلصه من هذا التصنيف هو أن نية الخداع تكون دوما من وراء هذا النوع من الأخبار. أما ما يتعلق بأبعادها وما تتوخاه، فإن هناك من يشترط البعد السياسي كشرط أساس في تحديد الأخبار الزائفة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا البعد، حتى وإن لم يكن دوما وراء إشاعة هذه الأخبار، لا بد أن يتولد عنها. يكفي أن نذكر بعض الأمثلة المشهورة التي عشناها خصوصا في فترات الانتخابات الرئاسية: لنتذكر ما شاع عن الرئيس أوباما، وما روجه دونالد ترمب عن منافسه، وما قيل عن ترشيح ساركوزي والرئيس الفرنسي الحالي.
فضلا عن ذلك، لا يمكننا أن نغفل الدور الذي تلعبه حوامل الأخبار في انتشار هذا النوع بعينه. فرق بين أن يكون مستهلكو الأخبار من الذين يستقونها من "المصادر الموثوق بها"، أو، على الأقل، ممن ينوعون مصادرهم، وبين أن يقتصروا على قنوات الإنترنت ومنصات الوسائط الجديدة. كان أحد المعاهد في الولايات المتحدة قد نشر نتائج بحث يتعلق بمصادر مستهلكي الأخبار، فأثبت أن 70% من الأميركيين يستقون أخبارهم عبر الشبكة، ونصفهم عبر الوسائط الاجتماعية، في حين أن 40 % فقط من الفرنسيين يلجؤون، لاستقاء أخبارهم، إلى تلك الوسائط، وإلى "فيسبوك" على وجه الخصوص.
يقال إن ضحايا "الأخبار الزائفة" هم أساسا من اليمينيين. أما الموالون لليسار، بأشكاله المتنوعة، فهم أكثر حرصا على تنويع وسائل الإخبار، وهم، بسبب ذلك، أقل عرضة للوقوع ضحية التزييف. قد يكون لهذا الزعم ما يبرره، إلا أننا نلاحظ اليوم طغيانا كبيرا لهذا النوع من الأخبار إلى حد يجعلنا نفترض أن الأصل اليوم هو للخبر الزائف، والخبر الصحيح لا يأتي إلا تصحيحا لأخبار زائفة، وأن الجميع، يمينا ويسارا، عرضة للزيف، وأنه مدعو، بالتالي، إلى تمحيص الخبر، بتفنيده وتكذيبه.
كل ما يسمى اليوم أخبارا موثوقا بها هو في غالب الأحيان تصحيح لأخبار زائفة
ربما يصح في هذا المجال أن ننقل ما يقوله فلاسفة العلوم عن الحقيقة العلمية من كونها أساسا تكذيبا لأخطاء، إلى مجال الحياة السياسية والاجتماعية التي لم يعد فيها من السهل إيقاف سيول الأخبار التي تتوافد من كل حدب وصوب، والتي تتخذ مسارات متنوعة لتسربها. نعلم أن "منطق الاكتشاف العلمي" يؤكد أن نمو المعرفة العلمية لا يكون ممكنا إلا بفضل فرضيات قابلة للتفنيد المتواصل. في هذا المنظور لا يمكن التحقق من أي قانون علمي، ما لم يكن قابلا للتفنيد والتزييف. إذا لم ينل الاختبار من صحة الفرضية، فإنها تكتسب صلاحيتها المؤقتة. وفي حال تكذيبها، فإن البحث يستمر بتكييف الفرضية من جديد، وإخضاعها لفحوص تزداد صرامتها شيئا فشيئا. وهكذا فإن الفرضيات المتعاقبة تزداد قربا من الحقيقة من طريق المحاولة والخطأ. يقوم التكذيب هنا بإنجاز تمحيصات للفروض التي ينطلق منها الباحث. كتب كارل بوبر: "علينا ألا نعتبر نظرية ما زائفة، ما لم نكتشف تأثيرا قابلا لإعادة الإنتاج يفندها". حينئذ، وهذا هو المهم هنا، فإن للحقيقة وجودا سلبيا ومؤقتا. ولا يمكن للباحث أن يتيقن إلا مما يمكن تفنيده ودحضه. وهذا التفنيد يفترض أن النظريات التي لا يمكن للتجربة أن تكذبها ليست من العلم في شيء.
وهكذا، فإن عالَم اليوم لا يضع الصحة أساسا كي يأتي التزييف ليلونها بألوانه، وإنما يفترض التزييف في الأساس. فيكون صدق المعلومة وليد مقاومة لا تتوقف لزيفها. في البدء كان التزييف. التزييف لعنة الأخبار بما هي كذلك، وكل ما يسمى اليوم أخبارا موثوقا بها هو، في غالب الأحيان، تصحيح لأخبار زائفة، و"تعديل لها وتجريح".