- بدأت مسيرتك كمناضل سياسي وصاحب قضية، ماذا تقول اليوم عن هذه القضية؟
أنا من الناجين، وفرصة عظيمة أني هنا الآن حيٌ وأقوم بما أقوم به، ممنون لأني لست شهيدا، فأنا لا اعرف حتى ماذا اسمي رفاقي الذين ذهبوا إلى الموت من اجل قضايا آمنوا بها حينها، قتلى أم شهداء، وذلك كله نتيجة أسئلة كثيرة أطرحها على نفسي يوميا: هل كنا أدوات في حرب باردة بين الاتحاد السوفييتي وأميركا؟ هل كنا مستعمَلين؟ حقي أن أطرح الأسئلة، وأعيد كل يوم صياغتها من جديد. بدأت بالتساؤل منذ أول الحرب وأنا في داخل المشهد وأكلمت حين صرت خارجه. لقد كان لدي حاسة ناقدة منذ أقمت داخل الأنفاق وحتى سكنت إلى الكتب. القراءة الكثيرة تصنع وعيا ناقدا ومحللا وبالتالي رافضا، حتما هذا خلق في داخلي صراعا بين المحارب والمثقف والقارئ، تأملت طويلا في ما حدث وقمت بمراجعة ذاتية ونقدية، فكانت النتيجة انسحابا مباشرا بعد الحرب الأهلية من المشهد كله والحلبات كلها، وطبعا هذا عرّضني لغضب الرفاق واتهامهم لي بالارتداد.
- كيف تقرأ واقع القضية الفلسطينية حاليا؟
نتفق جميعا على حق استعادة الأرض، وعلى أن فلسطين قضية شعب مظلوم وأرض محتلة ولكن علينا أن نتفق أيضا على أن الفلسطيني منكل به في المخيمات والشتات ومحروم من أدنى حقوقه الإنسانية ويعامل بعنصرية مقيتة في شتى ميادين الحياة، السؤال هو، من الأهم الأرض ام الشعب؟ بالنسبة إليّ الناس هم الأساس بعد أن صارت القضية الفلسطينية تجارة مربحة للأسف. أنا مع صندوق الانتخابات ومع دولة فلسطينية حرّة. السؤال: هل أستطيع فعل ذلك من لبنان، وهل يمكننا تحريرها من هنا؟ الجواب: عندي دونما أرض في قريتي وما زلنا منذ وفاة الوالدين نتصارع أنا وأخوتي عليهما.
عن الشعر
- لماذا ابتعدت عن الشعر؟ هل توصلت إلى لا جدواه في عالم مهزوم؟ وكيف ترى المشهد حاليا؟
الشعر هو أصل المسرح وكل الفنون. لم أتوقف عن الكتابة، أدراجي مليئة بالقصائد والمجموعات الشعرية، الكتابة هي فعل خاص جدا وحميم وداخلي وهي أيضا علاجي النفسي، أعالج قلقي واضطرابي، أثرثر وأبحث عما وراء الأشياء، وكأن الشعر هو دوما الما وراء، هو ذاك الغامض الذي يمكث في الكلمة والصوت والموت والحب والجنس. أخجل من النشر على هذا الكوكب المليء بالشعراء، وفي الفضاءات المستجدة شعر كثير، وهذه الكثرة تخجلني وتردعني عن النشر. اسأل نفسي بعد مرور عشر سنوات على نشر آخر مجموعة لي، هل تستحق هذه التجربة أن تنشر، هل تجاوزت نفسي، أم ما زال الصوت ذاته، هل أقول شيئا جديدا أم أنني أكرر فقط؟ هي أسئلة مشروعة أطرحها طالما اني لست في سباق مع أحد.
أراقب من بعيد ما يحصل على الساحة الشعرية، يبدو أننا ذاهبون إلى الشذرات واللمعات الصغيرة، لم أعد أشعر أن هناك حالة شعرية ناهضة وجيلا نقديا وحتى الصفحات الثقافية أراها تتشابه، وهذا برأيي يعود إلى الرقابة الهائلة في العالم العربي. إذ كيف يمكننا أن نبتكر مهرجانا تجريبيا مسرحيا أو شعريا تحت عين الرقابة وحدود الممنوع . هناك كتاب قصائد وليس شعراء، الشاعر هو الذي يحقق هذا الاختلاف نحو عالم يتغير طوال الوقت حولنا مع أفراده ولغته. الشعر للندرة.
- من "الطريق الجديدة" إلى "مجدرة حمرا" إلى "من كفرشيما للمدفون" و"هيكالو" وغيرها من مسرحيات كل منها يشرّح بيئة ينتمي إليها، هل تحاول أن تضع الجمهور أمام مرآته، ألا ترى بأن الناس أسرى مراياهم؟
هذا العمل هو عمل أناني، يخصني أولا، فأنا أحب التعرف إلى المجتمع اللبناني الذي كنت أجهله قبل خوضي به. نعم الفن بشكل عام هو مرآة المجتمع، لكنني اكتشفت أن المجتمع اللبناني لا يعرف بعضه، لذا فتحت الأبواب الموصدة على الآخر، فمثلا في مسرحية "الطريق الجديدة" كنت أتكلم عن السُنّة الذين هم مجهولون لديّ ولدى آخرين غيري من طوائف أخرى، فحملت طقوسهم شعائرهم وتقاليدهم وحتى يومياتهم إلى المسرح بلسان مواطن منهم (زياد عيتاني). ومن خلال المسرح اكتشفت أنني جاهل بمجتمعي وطائفتي أيضا، لذا كانت "مجدرة حمرا" (انجو ريحان) و"هيكالو"(عباس جعفر) و"شو ها"(حسين قاووق) عن شيعة الجنوب والضواحي وبعلبك. وقد خضنا في "من كفرشيما للمدفون" (نتالي نعوم) في المجتمع المسيحي. الحافز الأول من هذا كله هو المعرفة، والطريق للوصول إليها رحلة صعبة ومضنية. لكن السؤال يسهّل الطريق ويأخذك إلى المسرح وفي المسرح يتلصص الناس على بعضهم ويتعارفون. المعادلة أن يصير هذا المكان ليس نخبويا ولا شعبويا مع مراعاة الشروط المسرحية الإبداعية.