تقاطع الروائية الإماراتية صالحة عبيد في روايتها "دائرة التوابل" الصادرة عن "منشورات المتوسط"، بين ثلاث مدن (دبي ومكة وبغداد) عبر ثلاثة أزمنة، لتحيك سردا بقدر ما يبدو أنه يستند على فكرة الرائحة، وهي الفكرة التي لم تعد جديدة، إذ عالجها السرد الغربي في أكثر من عمل، يسعىإلى إثراء الفكرة بجعلها تتماهى بنحو جليٍّ مع الذاكرة، لاسيما ذاكرة الموت.
ومثلما يراهن مريدو ما وراء الطبيعة على امتلاك كل كائن في هذه المعمورة، وبالأخص الإنسان، على فيض نوراني يغلّف جسمه يسمونه الهالة، فإن صاحبة "دائرة التوابل" جعلت من الرائحة هالة شمّية بمقدور صاحب الهبة إدراكها، وتحديد طبيعة طاقة كلّ واحدبحسب نوع رائحته، فهي اختارت تناول حاسة الشمّ في سياق يختلف عن الذي اختاره الألماني باتريك زوسكيند في روايته "العطر" على سبيل المثال، حيث تبنى فيها مذهب المجتمعات الإنسانية القديمة التي اعتبرت الروائح الكريهة مصدر الشرّ والمرض، أما تلك الموصوفة بالطيبة فهي مُعزِّزة للصحة والخير، دون أن يعنيها السؤال الأهم: "ما الذي يجعلنا نقرر دون أن ينتابنا الشك طيبةَ أو كراهَة أي رائحة؟".
سؤال لم يحسن أحد الإجابة عنه مثلما فعل الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه، حين تمكّن من الإحاطة بالإشكال الحقيقي المتعلّق بالرائحة، مدركا أننا نتعامل مع حاسة الشمّ باستهزاء على اعتبار أنها أكثر حواسنا ارتباطا بالجوانب الجنسية والحيوانية، تماما كما اعتقد أفلاطون وأرسطو من قبل، وبالتالي ساد الاعتقاد بأنها حاسة أدنى ولا يمكن أن تضاهي الحواس النبيلة كالسمع والبصر، وهو ما نفاه نيتشه في سيرته المنشورة بعنوان "هذا هو الإنسان: كيف نصبح ما نحن عليه" قائلا: "كل عبقريتي في أنفي"، معتبرا أن الشمّ أنبل الحواس البشرية على الإطلاق، إذ أن ارتباطه بأعماق الإنسان يجعل منه حاسة لا تكذب أبدا.