لأول مرة في تاريخ إيران الحديث، حصل المرشحون الأكراد في كل المحافظات المختلطة شمال غربي البلاد، على مجموع أصوات أعلى بكثير من نظرائهم الأذريين، في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا، ما جدد التوتر بين الجماعتين القوميتين المتنافستين في تلك المناطق، ودفع بالمراقبين للتساؤل عن الأدوار التي تلعبها السلطة المركزية في إيران في ذلك الصراع البارد، لناحية إدارته واستخدامه لصالح توجيه الأنظار عن مطالب الطرفين من السلطة إياها، ومدى قدرتها المستقبلية على حفظ هذا التوتر في مستويات مضبوطة، ومنع تحوله إلى صراع مفتوح، كما حدث في مرات كثيرة.
نتائج الانتخابات في كل المحافظات الغربية، أذربيجان الغربية والشرقية وكردستان وكرمانشاه، أظهرت، من جهة زيادة ديموغرافية ملحوظة للأكراد في تلك المحافظات، مقارنة بالأذر، ومن جهة أخرى نشاطا وحيوية سياسية استثنائية للكُرد، على الرغم من كل الضغوط المُمارسة ضدهم من قبل الجيش والأجهزة الأمنية الإيرانية. فلأول مرة حصل المرشحون الأكراد على 7 مقاعد من أصل 12 في محافظة أذربيجان الغربية، وبفارق أصوات واضح عن الفائزين الأذر. إذ حصد المُرشح الكردي حاكم ماميكان على المركز الأول بـ190 ألف صوت، وجاء المرشح الكردي شاهين جهانكير في المركز الثاني جامعا قرابة 120 ألف صوت، فيما لم يحصل المرشح الأذري سلمان ذاكر إلا على قرابة 70 ألف صوت، وجاء في المركز الثالث.
الأمر تكرر في دوائر ماكو وشينو ونغدة، حيث حصل الفائزون الأكراد على أصوات أعلى من نظرائهم الأذر، ما دفع بمحافظي المناطق الغربية إلى تأخير الإعلان عن نتائج الانتخابات عن باقي مناطق إيران، واتخاذ إجراءات استثنائية، بغية امتصاص صدمة "المجتمع الأذري"، المُسيطر عمليا على الحياة الإدارية والاقتصادية ومؤسسات الأمن في تلك المناطق. فالانتخابات الأخيرة جرت وكأنها "حرب قبائل"، كما عبر المراقبون للمشهد الإيراني، في إشارة إلى غياب المضامين السياسية والأيديولوجية لهذه الانتخابات، لصالح العصبيات القومية والمناطقية، وانقسام القوى السياسية الإيرانية على ذلك الأساس.
صراع على الجغرافيا
نتائج الانتخابات الأخيرة تأتي في وقت وصل الصراع فيه بشأن مستقبل المحافظات المشتركة بين أبناء هاتين القوميتين إلى أوجه. فبعد إعلان وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا فضلي نية الحكومة إنشاء عشر محافظات جديدة (تضم إيران الآن 31 محافظة) كجزء من سعي الحكومة لزيادة اللامركزية في البلاد، فإن ارتفعت أصوات سياسية واجتماعية كردية تطالب بإحداث محافظات جديدة ذات غالبية كردية مطلقة، مثل محافظات كرمانشاه وإيلام وكردستان الحالية، عبر اقتطاع المقاطعات والنواحي الجنوبية/الكردية من المحافظات المختلطة مع الأذر شمال غربي البلاد.
العضو الكردي في البرلمان الإيراني عثمان أحمدي اقترح على الحكومة تشكيل محافظة جديدة باسم "شمال كردستان"، تكون مدينة مهاباد مركزا لها، وتستقطع أراضيها من كل المحافظات المختلطة. المشرعون الأذر في البرلمان رفضوا خلال جلسة 5 يناير/كانون الثاني الماضي المقترح الكردي ووصفوه بأنه خطوة لزيادة "النزعات الانفصالية" في البلاد، مذكرين السلطات الحاكمة بضرورة مراعاة ما سموه "الأمن الوطني للبلاد" في أي قرار إداري.