عمدت موسكو منذ فبراير/شباط 2022 إلى وصف حربها على أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، وسط تكهنات غربية متواصلة بشأن قرب تغييرها لهذا المصطلح واستخدام مصطلح "حرب" بدلا منه. واعتبر الكرملين حينها أن تلك التكهنات "محض هراء". لكن بات ينظر إليها اليوم كحقيقة واقعة بتأكيد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بلاده في حالة حرب في أوكرانيا بسبب تدخل الغرب، وهو ما يعد تطورا لافتا قد يحمل في طياته تحولا دراماتيكيا في مسار الحرب الأوكرانية، نظرا للظروف التي سبقت وأحاطت بما قاله بيسكوف، والرسائل التي وجهها للداخل الروسي وللغرب.
أثارت تصريحات بيسكوف هذه، في مقابلة مع صحيفة "أرغومينتي أي فاكتي" الروسية يوم 22 مارس/آذار الجاري، ضجة كبيرة لساعات عدة قبل أن يخطف العمل الإرهابي في مبنى "كروكوس سيتي" شمال غربي موسكو الأضواء ويتصدر المشهد الإعلامي. ومن المنتظر أن تظل هذه التصريحات تحت المجهر لفترة من الوقت، بهدف محاولة استشراف السيناريوهات المستقبلية للحرب الروسية على أوكرانيا، والتغيرات المتوقعة في سياسات موسكو، على ضوء إقرار بيسكوف بأن روسيا تخوض حربا فعلية في أوكرانيا. وعبّر عن ذلك بالقول: "نحن في حالة حرب نعم، في البداية سميت بالعملية العسكرية الخاصة، الوضع القانوني للعملية الخاصة في أوكرانيا لم يتغير، ولكن بمجرد تشكيل هذه المجموعة هناك، وعندما أصبح الغرب مشاركا بشكل جماعي في ذلك إلى جانب أوكرانيا، تحولت إلى حرب بالفعل بالنسبة لنا، أنا مقتنع بهذا، وعلى الجميع أن يفهموا ذلك من أجل التعبئة الذاتية الداخلية".
وزاد أن من واجب روسيا التحرير الكامل للمناطق الأربع، لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، التي ضمت إلى الاتحاد الروسي في 30 سبتمبر/أيلول 2022، "وحماية مواطنيها الموجودين في الأراضي التي يحتلها نظام كييف بحكم الأمر الواقع"، على حد وصف بيسكوف.
رسائل متعددة
ما قاله بيسكوف حمل مجموعة من الرسائل للداخل الروسي ولكييف والبلدان الغربية، لا تمثل وجهة نظره الشخصية، بل تعبر عن موقف الكرملين.
الرسالة الأولى هي للداخل لحث المجتمع الروسي على التعبئة والتحمل، وتقديم المزيد من الدعم للمجهود الحربي، والاستعداد نفسيا لاحتمال حرب طويلة قد تتخللها تحولات دراماتيكية في مسارها، جراء التدخل الجماعي للغرب إلى جانب أوكرانيا، وسعي الأخيرة لاستهداف البنية التحتية الروسية، فضلا عن احتمالات شن عمليات إرهابية تؤثر على معنويات المواطنين الروس وتخلق حالة من الفوضى. ويصب في هذا الاتجاه تشكيك الكرملين في مسؤولية تنظيم "داعش" وحيدا عن الهجوم الإرهابي على صالة حفلات في ضواحي العاصمة موسكو يوم 22 مارس الجاري، وتوجيهه أصابع الاتهام نحو كييف، و"المشغلين الغربيين".