ثمة مقطع فيديو متداول على الإنترنت، يصور مشهدا باللغة العربية، نسمع فيه أولا من يقول: "حصل هؤلاء الرجال اليوم على جواز سفر روسي بالإضافة إلى هواتف جديدة وسجائر ولم يستغرق كل ذلك سوى خمسة أيام فقط". بعد ذلك، يظهر عشرة أشخاص سوريين يعرضون بفخر أمام الكاميرا جوازات سفرهم الروسية الجديدة.
لم يكن مقطع الفيديو هذا مجرد احتفال بالمواطنة، بل كان خطوة تجنيد استراتيجية. وليس هذا المقتطف من الفيديو سوى لمحة من حملة تجنيد أوسع بدأت تتكشف منذ أن وقع الرئيس بوتين مرسوما في 4 يناير/كانون الثاني، يفتح الباب أمام الأجانب المتعاقدين مع الجيش الروسي للحصول على الجنسية في عملية مبسطة.
منذ ذلك الحين، فاضت وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا بمزيج من الشائعات والتقارير عن تجنيد المرتزقة أو نقلهم جوا إلى روسيا لنشرهم في أوكرانيا. ترسم هذه التطورات صورة تظهر تبني روسيا المتزايد لتجنيد المرتزقة الأجانب بغية تجديد قواتها وتعويض الخسائر البشرية المتزايدة فيها وتضاؤل صفوفها على مدى العامين الماضيين.
ليس استخدام المقاتلين السوريين في الخارج بالظاهرة الحديثة. فقد أدى عقد من الصراع الوحشي إلى قلة الفرص على المستوى المحلي مع آفاق مستقبلية قاتمة وغير مستقرة. وقد جُنّد في السنوات الأخيرة أفراد من الفصائل الموالية للنظام ومن المعارضة في سوريا على السواء وأرسلوا إلى ساحات القتال مثلما حدث في ليبيا. كما شارك مرتزقة سوريون في الصراع الذي دار بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ عام 2020. وكشفت تقارير أن مرتزقة سوريين نشروا في مناطق أخرى مثل فنزويلا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وهذا الاتجاه المتصاعد لاستخدام المقاتلين السوريين مكّن دولا مثل روسيا من متابعة أهداف سياستها الخارجية بأقل تكلفة مع إمكانية معقولة للإنكار.
وفي وقت تراجعت فيه أخبار موسكو وتجنيدها للمرتزقة وإرسالهم للجبهات عن احتلال عناوين وسائل الإعلام، جاء التغيير في تكتيكات التجنيد ووجهته لتشعل اهتمام وسائل الإعلام مجددا. وقد جاء هذا الظهور الجديد بعد مرسوم الرئيس بوتين يوم 4 يناير/كانون الثاني 2024، الذي يمنح الأجانب الذين يجندون للقتال لصالح روسيا طريقا أسرع للحصول على الجنسية الروسية.
بدأت عملية منح المقاتلين المتطوعين من الأجانب الجنسية المُعجلة في سبتمبر/أيلول 2022، إذ سمح بتقديم طلبات الحصول على الجنسية للمهاجرين الذين وقعوا عقودا لمدة عام على الأقل، وخدموا في الأعمال العدائية النشطة لمدة ستة أشهر على الأقل، دون الحاجة إلى إثبات الكفاءة في اللغة الروسية أو الإقامة المتواصلة في البلاد مدة خمس سنوات.