تفاقم في الأسابيع الأخيرة الجدل بشأن الاقتراح الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن احتمال إرسال قوات أوروبية وغربية إلى أوكرانيا والذي اكتسى أبعادا جديدة بعد العملية الإرهابية التي وقعت في موسكو. ورغم عدم تبني الاقتراح أوروبيا وأميركيا، فسرعان ما واجهت موسكو هذه الفرضية بالتحذير من حتمية المواجهة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.
وفيما يتعدى المبارزات اللفظية واستعراض العضلات ومجريات الحرب الأوكرانية مع بدايات سنتها الثالثة، يتضح أن المزيد من انخراط "الناتو" في القتال ليس على جدول الأعمال حاليا وأن مواقف ماكرون الأخيرة لن تترجم تصعيدا ميدانيا على المدى القصير، بل يرتبط الوضع بالكثير من العوامل بانتظار نتيجة الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، والتي ستكون تقريرية حول تغليب استمرار الحرب أو انطلاق ماراثون المفاوضات.
ومما لا شك فيه أن طلب سيد الإليزيه التوصل إلى هدنة في الحرب الأوكرانية خلال الألعاب الأولمبية في باريس الصيف المقبل، وطرح " القيصر الجديد" عن ضرورة "عدم تسبب فرنسا بتفاقم الصراع في أوكرانيا بل المساهمة في حل سلمي"، يشيان بأن إعادة التواصل الدبلوماسي ممكنة بين موسكو وباريس، وربما أن أقصى ما يطمح له ماكرون هو الوجود على طاولة المفاوضات ولعب دور أوروبي ريادي. ولهذا لا يمكن فصل مآلات التوتر الروسي- الفرنسي عن اختبار القوة الروسي- الغربي.
العلاقات الفرنسية- الروسية المتأرجحة والمضطربة
تغيرت أوضاع العالم وأوروبا بين حقبة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك (1995-2007) وحقبة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون التي بدأت عام 2017. وقد توالى أربعة رؤساء فرنسيين منذ تمركز الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين بداية الألفية الثالثة، لكن الصلات مع بوتين ليست صالحة وحدها من أجل مقاربة تطور صلات باريس وموسكو ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ إن البعد التاريخي يوجب التطرق للرئيسين جوزيف ستالين وشارل ديغول. حيث دافع الأول عن حفظ موقع فرنسا بين الكبار، بينما كان الثاني يؤمن بأوروبا "الممتدة من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال" وبأهمية العلاقة مع روسيا في عز الحرب الباردة.
وهذه العلاقة التي لم تهتز كثيرا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، عادت لتتوثق في مرحلة جاك شيراك الذي كان يتحدث اللغة الروسية ودلل على ذلك الموقف المشترك الروسي- الألماني- الفرنسي ضد حرب العراق عام 2003، ومشاركة فلاديمير بوتين في مأتم الرئيس الفرنسي الأسبق وكان حينها الرئيس الأجنبي الوحيد.