مرت 21 عاما على غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ولا تزال المنطقة تنوء بصراعات النفوذ الدولية والإقليمية والنزاعات الأهلية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فالبشرى الأميركية بالديمقراطية سقطت باكرا على أرض العراق، بل وانقلبت إلى فوضى عارمة ليس في بغداد وحسب بل في المنطقة بأسرها باستثناءات قليلة جدا، لكن حتى تلك الدولة التي لم تطرق الفوضى أبوابها كانت مضطرة لبذل جهود كبيرة لحماية نفسها ومنع تمدد النار الإقليمية إليها.
ليس المقصود أن العراق والمنطقة قبل الغزو الأميركي لبغداد كانت مستقرة وأن غالبية أنظمة الحكم فيها كانت تتمتع بشرعية حقيقية وتعمل على توفير الأمان والرخاء لشعوبها. بل على العكس تماما فإن الكثير من هذه الأنظمة كان قد اختبر القمع لعقود مديدة بذرائع خارجية وداخلية، وكانت قدرته على الاستمرار في النهج نفسه قد شارفت نهايتها، خصوصا أن العقود الاجتماعية القسرية التي كانت قائمة على تسليم المجتمع بحكم الحزب الواحد مقابل "الأمن" والغذاء والتعليم والصحة، على تفاوتات نوعية كل تلك الخدمات، بدأت تواجه تحديات خطيرة بالنظر إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية ليس في المنطقة وحسب بل على مستوى العالم.
لكن مع ذلك فإن الغزو الأميركي للعراق خلق تحديات جديدة في المنطقة وسرّع اندفاعها نحو الفوضى الهدامة بل ونحو "الجحيم"، في وقت حاول الأميركيون في مرحلة معينة التنظير لـ"الفوضى الخلاقة" كما لو أن كل هذا الخراب العميم هو مجرد مرحلة انتقالية ستنتهي إلى سواد الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في المنطقة، بغض النظر عن تأويلات كل هذه المفاهيم بعدما بلغ التشكيك فيها أقصاه.