منذ قيام "الجماعة الإسلامية"، الفرع اللبناني لتنظيم "الإخوان المسلمين"، بقصف المستوطنات الإسرائيلية شمالي فلسطين عبر ذراعها العسكرية (قوات الفجر)، دأب أمينها العام وسائر قياداتها ومسؤولوها على تأكيد أن سلاح الجماعة "موجه حصرا ضد العدو الإسرائيلي".
لكن، وبمعزل عن عدم اشرعية هذا السلاح، وإشكاليته الكبرى المتمثلة في خرقه لـ"اتفاق الطائف"، الذي أوقف الحرب الأهلية اللبنانية، ونص على سحب سلاح جميع الميليشيات، وكذلك القرار الأممي 1701 الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، ونص على عدم وجود أسلحة ثقيلة شمال نهر الليطاني، بعمق نحو 30 كيلومترا، فإن الوقائع تظهر أن لهذا السلاح أدوارا أخرى، كلها داخلية.
استعراض قوة
في خضم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، لم ينل مشهد الظهور المسلح الفج "للجماعة الإسلامية" خلال تشييع القيادي في "قوات الفجر" محمد بشاشة في مدينة صيدا يوم 3 يناير/كانون الثاني الماضي، الاهتمام الذي تستحقه، رغم كل ما احتواه من رمزيات ومعان. وكان بشاشة قد قتل مع زميل له، واثنين من قادة "حماس" في لبنان، في عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري، بقصف مسيرة إسرائيلية لمكتب الحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وقد انتشر شبان ملثمون بشكل كامل، يرتدون بزات عسكرية موحدة، يرفعون قبضات أسلحتهم، ويطلقون زخات من الرصاص في الهواء. لتتزاحم الأسئلة وتتوالى: ما أهداف هذا الاستعراض المسلح؟ هل يمكن لهذا السلاح أن يطال المستوطنات الإسرائيلية؟ هل يمكنه إسقاط مسيرة إسرائيلية تمر فوق رأس حامليه؟ هل له أي وزن عسكري أو حتى سياسي في حرب الاستنزاف الدائرة جنوبا؟ هل له أي أثر في التخفيف من معاناة أهل غزة؟ الحال أن هذا الاستعراض العسكري ما هو إلا رسالة موجهة للداخل، يراد من خلالها توظيف وهج السلاح في الداخل اللبناني، والداخل السني، سياسيا واجتماعيا.
تكرر المشهد في اليوم التالي بشكل أكثر فجاجة، خلال تشييع صالح العاروري ورفاقه من قلب منطقة الطريق الجديدة ذات الثقل الشعبي السني في بيروت. الأمر الذي أفضى إلى اعتراض عدد قليل من الأصوات على هذا الاستعراض العسكري "الميليشياوي" غير المبرر. فما كان من "الجماعة الإسلامية" إلا أن اعتبرت تلك الاعتراضات "لا وزن ولا قيمة" لها، وذلك على لسان رئيس مكتبها السياسي علي أبو ياسين، في تصريح لأحد المواقع الإخبارية اللبنانية.
رداء التقية ونشوة الحرب
قبل سنة ونيف، قام أحد قادة "الجماعة" بتهديد زميلة صحافية، عقب مقال لها عن التحولات التي حصلت داخل أروقة الجماعة. كانت هي المرة الأولى التي يبدر من هذا التنظيم الإسلامي العريق تصرف من هذا القبيل. لذا كان فعل التهديد مستهجنا داخل "الجماعة" قبل خارجها، لأنه يكسر أعرافا وتقاليد ويشجع خطاب الكراهية، ويزيد من حجم الانفصال بين التنظيم وبيئته اللصيقة. حينذاك كان الفريق الذي وصل إلى سدة القيادة في الجماعة عبر انتخابات داخلية معلبة مسبقا، حريصا على إخفاء حالة "العسكريتاريا" الناشئة خلف "رداء التقية".