انتخابات رئاسية مبكرة في الجزائر... لماذا؟https://www.majalla.com/node/313531/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A8%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%D8%9F
عكس ما هو متداول إعلاميا، لم يدهش قرار تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة الطبقة السياسية في الجزائر، ما عدا فئة من الجمهور مهتمة بالشأن العام. فالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان قد أخطر بعض قادة التشكيلات السياسية الذين استقبلهم خلال الأشهر الأخيرة برغبته في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
وأحد أهم المؤشرات، استباق حركة "البناء الوطني" ذات التوجه الإسلامي، الإعلان عن القرار بسويعات قليلة، بعقد اجتماع طارئ للمكتب الوطني، تقرر خلاله تشكيل الهيئة الوطنية للاستحقاق الرئاسي القادم والشروع في التحضير له وفتح ورشة وطنية لعرض مقترحات التشكيلة السياسية حول تعديل القانون المتعلق بالانتخابات والتي ستشرع في عملها انطلاقا من هذا الأسبوع.
القرار كان متوقعا
واصطفت أبرز أحزاب الموالاة خلف قرار الرئيس تبون بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، ووصف بيان صادر عن "جبهة التحرير الوطني" (أبرز أحزاب الموالاة) القرار بـ"السيادي"، و"الذي يعتبر ترجمة للحرص الدائم على الحفاظ على المواعيد الانتخابية الدستورية واستقرار المؤسسات واحترام إرادة الشعب الجزائري".
الرئيس تصرف وفق صلاحياته الدستورية بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة
الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" (أحد أكبر أحزاب الموالاة)، مصطفى ياحي، هو الآخر رحب بالقرار، وقال في مؤتمر صحافي، إن "إجراء انتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري، في السابع من سبتمبر المقبل، تعتبر "ردا صريحا على المشككين والأبواق الزارعة للشك، وجوابا واضحا بأن الجزائر دولة مؤسسات ودولة دستورية"، وأبدى استعداد حزبه لإنجاح الاستحقاق الرئاسي القادم.
ولم يدهش القرار الرئاسي أكبر أحزاب المعارضة في الجزائر "حركة مجتمع السلم"، فالمهم بالنسبة للحركة حسب رئيسها عبد العالي حساني "توفير جو انتخابي نزيه، لضمان نزاهة الاستحقاق الرئاسي وتجاوز الممارسات السلبية السابقة".
الدوافع والأسباب
وفي انتظار ما ستفرزه الأيام القليلة القادمة واتضاح الرؤية المشوشة، تفرض أسئلة عدة نفسها بقوة على الساحة السياسية في الجزائر، ولعل أبرزها الأسباب والدوافع السياسية الكامنة وراء هذا القرار ولماذا لم يجاهر الرئيس صراحة برغبته في الاستمرار.
في البداية، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة الدكتور كاهي مبروك أن "الرئيس تصرف وفق صلاحياته الدستورية بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة وهذا يعني أن الأمر يحتاج إلى البحث عن الغايات وليس الأسباب، وهنا الغايات تنقسم إلى قسمين أحدهما متعلق بمتطلبات البيئة الداخلية المحلية. أما الثاني فله علاقة بترتيبات البيئة الخارجية الدولية وتبعاتها على السياسة الخارجية للبلاد".
بالنسبة للغايات المتعلقة بالبيئة الداخلية، يقول محدث "المجلة" إن "صانع القرار الجزائري أخذ في الحسبان ظرفية الأوضاع والاستحقاقات المهمة المتعلقة بنهاية السنة وأبرزها مناقشة مشروع القانون المؤطر للسنة المالية القادمة وتمريره والمصادقة عليه من قبل الرئيس قبل اعتماده رسميا. فالميزانية هي عصب حياة الدولة ولا تحتمل التأخير في ظل اقتصاد لا يزال يتعافى من تبعات جائحة كورونا، كما أخذ الرئيس في الحسبان احتمال الذهاب إلى الدور الثاني من الانتخابات وما قد ينجر عنه من أزمة دستورية مع انتهاء عهدة الرئيس الانتخابية أمام استحقاق انتخابي".
أما الغاية الأهم، فتكمن وفق كاهي مبروك في "رغبة الرئيس بالعودة إلى الوضع الطبيعي للانتخابات الرئاسية تدريجيا في فصل الربيع دون المساس أو التأثير على الأنشطة الحيوية للدولة الجزائرية".
الإعلان عن تقديم تاريخ الانتخابات الرئاسية إلى شهر سبتمبر 2024 فاجأ الكثيرين
أما عن الغايات المتعلقة بالبيئة الدولية، يتابع مبروك: "يأتي في مقدمتها احتياط الرئيس من أية تأويلات قد تؤثر على الانتخابات غداة زيارة دولة سيقوم بها إلى فرنسا بدعوة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، فذهابه كرئيس منتخب يعطيه قوة تفاوضية أكبر من ذهابه كرئيس على وشك انتهاء عهدته".
وتكمن الغاية الأخرى حسب الدكتور كاهي مبروك في "قطع الطريق أمام أصحاب النوايا السيئة والتفسيرات المغرضة حول تدخل أطراف دولية في الخيارات المصيرية للدولة الجزائرية بدعم شخصية ما".
الرأي نفسه ذهب إليه البروفيسور عبد الرفيق كشوط، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الصديق بن يحيى بجيجل، ويستهل حديثه بالقول: "في الحقيقة لا زال الوضع العام في البلاد يتسم بالضبابية تجاه هذا الإعلان، غير أنه يمكن كشف اللثام على بعض الأسباب ومنها العودة للرزنامة القديمة للمواعيد الانتخابية التي أُخرت بعد تأخير الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وهذا سبب تقني في الحقيقة. ثم من الأسباب الأخرى نجد ما تعلق بالعمل على ضبط كافة الأنشطة السياسية مع رزنامة الانتخابات وما تفرزه لاحقا. يضاف إلى ذلك بعض العوامل المتعلقة بالجوانب السياسية والمتمثلة في قطع الطريق على المعارضة للدخول بقوة في هذه الانتخابات".
دواعٍ تكتيكية
من جهتها استعرضت الوكالة الرسمية الجزائرية للأنباء بعض الدواعي التكتيكية التي تقف وراء القرار، وقد أسقطت التكهنات القائمة بشأن وجود أزمة مستعصية في هرم السلطة تحولا دون ترشح الرئيس لولاية رئاسية ثانية.
واستبعدت الوكالة الرسمية الجزائرية سيناريو الأزمة السياسية، وقدمت قراءتها بالقول: "يبدو أن الإعلان عن تقديم تاريخ الانتخابات الرئاسية إلى شهر سبتمبر 2024 قد فاجأ الكثيرين، إذ أثار رئيس الجمهورية ضمن حرصه على الشفافية، ارتباك خصومه ونوعا ما حلفائه بهذا الإعلان الذي يبدو حادا في الشكل، ولكنه متماسك في المضمون، فمن يتحكم في التوقيت يتحكم في الوضع".
غير أنها لم تخف "وجود تهديدات خارجية" بقولها: "التهديدات الخارجية حقيقة ملموسة، بما يجعل تقليص العهدة الأولى ضرورة تكتيكية، حيث إنه استباق لاضطرابات مبرمجة، فالرهان الدولي يسبق الرهان الوطني، وعليه، يتعين على الجزائر أن تعزز وحدتها وانسجامها الداخليين، برئيس وجيش ومؤسسات بجاهزية لمواجهة الأزمات الخارجية، والتي هي بالفعل على أبوابنا مستهدفة سيادتنا وأمننا".
مؤشرات الاستمرارية
وبالعودة إلى السؤال المتعلق بعدم إعلان الرئيس عن رغبته في ولاية رئاسية ثانية، قالت الوكالة إن "المحكمة الدستورية ومعها السلطة المستقلة للانتخابات لم يعلنا بعد انطلاق الترشح وتلقي الملفات لدراستها وإعلان النتائج".
ومن جانبه يرجح المحلل السياسي أحسن خلاص فرضية "الاستمرارية"، ويقول في حديثه لـ"المجلة": "إعلان ترشح الرئيس لولاية ثانية سابق لأوانه لكن الأرجح أنه سيستمر حسبما يتوفر من مؤشرات يبعثها محيطه المباشر".
ومن العوامل التي تعزز هذه الفرضية، يذكر المحلل السياسي "وجود عدة عوامل تؤكد فرضية ترشح الرئيس الجزائري لولاية ثانية، منها مضي القيادة الحالية في سياسة خارجية لا يمكن إطلاقا التراجع عنها أمام التهديدات الإقليمية، والموقف من الجزائر بسبب وقوفها مع القضية الفلسطينية، ورئاسة تبون منتدى الغاز، والتوترات مع المغرب ومالي والنيجر، ومشاريع أطلقها منذ بداية العهدة الأولى دون استكمال".
عدم إفصاح الرئيس عن ترشحه إما رغبة غير معلنة في الترشح، وإما أنه يريد الإشراف على نزاهة الانتخابات
أيضا يشير المتحدث إلى "الدعم غير المباشر الذي يحظى به الرئيس من طرف مؤسسة الجيش"، واستدل بـ"المكاسب التي حققتها الجزائر الجديدة"، إذ وصفها بـ"الثمينة"، وقال إنها "باتت تحتل دورا بارزا إقليميا ودوليا". وأشاد بمنجزات الرئيس تبون، منوها بـتدشين عدد من المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين الجزائر وموريتانيا، "مما يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات التاريخية بين البلدين".
ومن الدلالات الأخرى التي قدمها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة الدكتور كاهي مبروك، "توافق الرئيس تبون ونظيره الفرنسي خلال محادثة هاتفية على إجراء الرئيس زيارة إلى فرنسا في نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر/تشرين الأول القادم".
ويقرأ البروفيسور عبد الرفيق كشوط "عدم إفصاح الرئيس عن رغبته في الترشح من زاويتين: الأولى قد تكون رغبة غير معلنة للترشح على أساس استباق الخصوم وإعداد الساحة السياسية لتقبل ترشحه على اعتبار غياب مرشح قوي ينافسه في الوقت الحالي. أما الزاوية الثانية فيمكن ربطها برغبته في السهر والإشراف على نزاهة الانتخابات".
وأعلنت الجزائر الخميس إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في السابع من سبتمبر 2024، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها المقرر أصلا.
وجاء في بيان صدر عن الرئاسة الجزائرية، إثر اجتماع ترأسه الرئيس تبون وحضره رئيس الوزراء ورئيسا غرفتي البرلمان ورئيس أركان الجيش ورئيس المحكمة الدستورية: "قرر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، السيد عبدالمجيد تبون، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 سبتمبر 2024".