من البديهيات أن الفوضى لا يمكن لها أن تنتج نظاما، ولكن تراكماتها تنتج خرابا يكون من الصعوبة تجاوز آثاره في المجالات العامة. من هنا يمكن أن نتصور حجم التراكمات التي أنتجتها له فوضى السياسة والطبقة الحاكمة خلال العشرين عاما الماضية.
يمكن لأي متابع- بعيدا عن أجواء الفوضى التي نعيشها في العراق- أن يعد الخلافات السياسية وتطوراتها، مسألة طبيعية في بلد عاش محنة الدكتاتورية وخضع لنظام شمولي لما يقارب نصف قرن من تاريخه السياسي، وتراكم فيه التهميش والإقصاء وتم حكمه بقضبة من حديد ونار. وتلاشت ملامح الدولة وباتت تختزل في الحزب الحاكم، ومن ثم في عائلة الرئيس وحاشيته. بيد أن كل هذه التبريرات، لا يمكن لها أن تكون مقنعة أمام حالة التردي والنكوص التي يشهدها المواطن من حيث علاقته بالدولة والطبقة الحاكمة.
الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة في العراق بات يستهويها العبث والفوضى، وربما أصبحت وظيفتها العمل على إدامتهما، للهروب من الاستحقاقات السياسية المتعلقة بإعادة الاعتبار للدولة، لذلك في كل أزمة يتم تقزيم مؤسسات الدولة وتحويلها إلى حلبة صراع بين الأطراف السياسية المتنافسة على الهيمنة والاستحواذ على الدولة ومواردها ومؤسساتها.