المفارقة أن النخب الحاكمة في كل أزمة يعبرون عن إهانة واضحة للنظام السياسي ومؤسساته. لك أن تتخيل أن الحكومة والمؤسسات الأمنية والقضائية تحارب الابتزاز السياسي و"المحتوى الهابط". ولكن هذه الظاهرة التي تحاربها باتت تنتشر في مؤسساتها الأمنية، إذ أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة عن "تحديد عناصر شبكة داخل المؤسسة الأمنية تعمل على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي صفحات بأسماء مستعارة لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها فضلا عن ابتزاز الضباط والمنتسبين ومساومتهم".
قد يكون هذا الاختراق مسألة اعتيادية تحدث في كثير من البلدان. لكن عندما تتبنى الحكومة حملة ضد الابتزاز السياسي، وتحاول أن توجه هذه التهمة إلى شخصيات إعلامية وناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنه ينتشر في مؤسساتها الأمنية وعلى مستوى قيادات أمنية بمراتب عالية تصل إلى فريق أول ركن في وزارة الدفاع، ولواء في وزارة الداخلية وغيرهم من المراتب الذين يصل عددهم إلى 14 ضابطا ومنتسبا، فالموضوع يتحول إلى فضيحة تحتاج وقفة من قبل الحكومة للوقوف على مستوى الانهيار الذي تشهده مؤسسات الدولة، ونموذجها المؤسسة الأمنية التي ترتبط مباشرة بتفاصيل حياة المواطن اليومية. هذه الحادثة مرت مرور الكرام، من دون توضيح ملابساتها. وربما كانت هناك قصدية بترويج فضيحة بقصد انشغال الرأي العام بها، والتغطية على قضية تورط رتب عسكرية وأمنية في الابتزاز السياسي.
ربما يكون هذا الموضوع حدثا عابرا، ويحدث في كثير من الدول المتقدمة والمتخلفة. لكن ليس لدرجة أن يخرج سياسي في لقاء تلفزيوني ويتهم رئيس المحكمة الاتحادية العليا بأنه هدده "بإسقاط عضويته من البرلمان، في حال عدم تخليه عن التحالف الثلاثي"، التحالف الذي كان يقوده التيار الصدري لتشكيل حكومة الأغلبية قبل انسحاب نوابه من البرلمان.
تصريح السيد مشعان الجبوري، لا يمثل اتهاما فقط لأعلى مؤسسة قضائية في الدولة، والتي منحها الدستور السلطة المطلقة العليا. وإنما يشكل ظاهرة فوضى التصريحات والمواقف السياسية التي تجعل مؤسسات الدولة العليا طرفا في الخصومات والصراعات السياسية. ولحد الآن لم ترد المحكمة الاتحادية على هذا الاتهام إلا بإصدار بيان عام يعتبر تلك التصريحات "هجمة إعلامية داخلية وخارجية مسيسة هدفها الإساءة إلى سمعة المحكمة الاتحادية واستهداف شرعيتها".
فوضى التصريحات السياسية
في ظل فوضى التصريحات السياسية التي تسيء للدولة والمؤسسات، لا يكون تصريح السيد مشعان الجبوري بالحديث الذي يمكن أن يثير الاستغراب، فقبله صرح رئيس كتلة "تحالف نبني" السيد هادي العامري، بأن "القضاء يخضع للتهديد، ونحن نضغط على القضاء". ويستدل العامري على ذلك بموضوع الفساد وضرب الخصوم، وأن "التوازنات السياسية هي التي تتحمل مسؤولية الأخطاء الماضية".
المفارقة الأكثر غرابة، هي تصريح القاضي جاسم العميري رئيس المحكمة الاتحادية العليا، بأن "المحكمة الاتحادية ملتزمة بما اتفق عليه المؤسسون للعملية السياسية". في حين أن بعض الزعامات المؤسسة للعملية السياسية هم الآن أكثر من يطعن في المحكمة الاتحادية. ويأتي في هذا السياق تشبيه السيد مسعود بارزاني المحكمة الاتحادية العليا بـ"محكمة الثورة" في النظام الدكتاتوري السابق.