رغم الحديث عن أنهما ليسا خيارين مثاليين لقيادة البيت الأبيض، بات شبه محسوم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024 ستشهد تكرارا لسيناريو عام 2020، بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، بعد حصول كل منهما في الانتخابات التمهيدية، على مجموع أصوات يضمن ترشيح حزبيهما، لخوض المعركة الرئاسية.
ويرى مؤيدو ترمب أن عودته إلى البيت الأبيض، ستدفع شعار "أميركا أولا" إلى الصدارة، مجددا، وسيكون للولايات المتحدة رئيس قوي وقادر على إدارة كل قضاياها الداخلية والخارجية، ويسخرون من وصف الديمقراطيين فوز ترمب بالكارثة، فالكارثة الحقيقية؛ بنظرهم، موجودة في البيت الأبيض، ومتمثلة في الرئيس الحالي، الذي تشكل ذاكرته الضعيفة وتقدمه بالسن خطرا وجوديا على الولايات المتحدة، وعلى قراراتها السياسية في الداخل والخارج.
من جهتهم، يرى الديمقراطيون، من خلال رصد تحركات ترمب السابقة والآنية، أن فوزه بالانتخابات الرئاسية، سيكون بمثابة عودة الكابوس إلى البيت الأبيض، ويدّعون أنه في فترة رئاسته السابقة، سادت حالة من الفوضى والتخبط السياسة الخارجية الأميركية، وإذا فاز بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فستسود الحالة ذاتها مجددا، وستنسحب على العلاقات الدبلوماسية والاتفاقات العسكرية والتجارية، وستؤدي حتما، إلى نشوب حرب مدمرة مع إحدى دول العالم، وليس هناك إلا عائق وحيد سيمنع حدوثها، هو أن ترمب سيركز خلال فترته الرئاسية الثانية على تدمير بلاده وشعبه، حيث سيتفرغ لمحاربة الدستور والديمقراطية وقيم الأمة الأميركية.
بعد فشله في البقاء في البيت الأبيض، نجح ترمب في البقاء على قيد الحياة السياسية
وخلال جولاته الانتخابية، لا يتورع ترمب عن تهديد خصومه السياسيين بالانتقام، في حال فاز في الانتخابات أم فشل، ففي الدورة الرئاسية السابقة بعد خسارته الانتخابات، شن ترمب حملة على خصومه متهما إياهم بالتزوير، كما قاد أنصاره لاحتلال مبنى الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 أثناء جلسة تأكيد نتائج الانتخابات، وبعد فترة وجيزة، من مداهمة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله لجمع وثائق سرية، تعرض منزل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للهجوم، مما أدى إلى إصابة زوجها بجروح خطيرة.
وتُظهر بعض خطابات ترمب نزوعه النفسي نحو الاستبداد، وإعجابه بالديكتاتوريات، حيث يتعمد في كثير من الأحيان، مدح الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يثير قلق الداخل الأميركي بشأن قيم الديمقراطية في البلاد.
الكابوس الأكثر إثارة للقلق، في حال فوز ترمب، هو قضية المهاجرين، فهو يتنقل من ولاية إلى أخرى على وقع وعود بترحيلهم، وصرح مؤخرا أنه سينفذ هذا الوعد بـ"طريقة ستصبح حدثا تاريخيا في الولايات المتحدة". يرفع ترمب بهذه التصريحات العنصرية، خطاب الكراهية تجاه المهاجرين إلى أعلى مستوياته، ما قد ينتج عنه انقسام حاد وخطير في المجتمع الأميركي، ويُدخل البلاد في صراع مع المهاجرين المستقرين.
في السنوات الأربع الأخيرة وبعد فشله في البقاء في البيت الأبيض، نجح ترمب في البقاء على قيد الحياة السياسية، وتمكن من الحفاظ على مكانته في أعلى مستوى سياسي في قيادة الحزب الجمهوري، ويعتقد كثيرون أن جمهور الحزب تحول في هذه المدة إلى طائفة تتبع ترمب، وفي حال فوزه، ستغزو المواقع الحكومية والإدارات الرسمية بأفكارها العنصرية وعقليتها الاستبدادية المستنسخة عن القائد.
عودة ترمب تشكل كابوسا لأوروبا أيضا، يدرس الحلفاء الأوروبيون خطة داخلية لمواجهة أي نتيجة محتملة للانتخابات الأميركية على رأسها عودة ترمب، بحسب المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، وذلك بناء على الانتصارات التي حققها في الانتخابات التمهيدية، ويتوجس الحلفاء من أن تكون أولى ثمار عودته خروج الولايات المتحدة من حلف "الناتو".
أغلب المسؤولين الأوروبيين يفضلون أو يتمنون عدم عودة ترمب إلى البيت الأبيض
وقد أثارت تصريحات ترمب مؤخرا، عاصفة من القلق لدى الحلفاء الأوروبيين، حين قال في تجمع انتخابي في كارولينا الجنوبية إنه سوف "يشجع روسيا على مهاجمة أي دولة، لا تساهم بنسبة 2 في المئة من ناتجها المحلي، في خزينة الحلف"، ملوحا باحتمال عدم التزامه بالحلف، في حال أُعيد انتخابه، هذه التصريحات جعلت القادة الأوروبيين يتهمونه بمحاولة ضرب الاستقرار العالمي والعلاقات الأميركية الأوروبية، ودفعت مسؤول السياسات الخارجية والدفاعية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى وصفه بالرئيس المزاجي، ووصف أفكاره بالسخيفة، فقال: "لا يمكن أن يكون هناك تحالف عسكري بناء على مزاج رئيس الولايات المتحدة". وأضاف: "لن أضيع وقتي في التعليق على أي فكرة سخيفة تظهر خلال الانتخابات الأميركية".
وفي مؤتمر صحافي متلفز حول الانتخابات الأميركية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "إن أوروبا يجب أن تكون مستعدة لاحتمال عودة ترمب"، وتعليقا على تصريحات ترمب، قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو: "علينا وضع أوروبا على قاعدة أكثر صلابة وقوة وسيادة واعتمادا على الذات". وحسب اعتقاد رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد فإن عودته ستشكل "تهديدا" لأوروبا.
يملك ترمب سجلا حافلا في انتقاد "الناتو" والاستخفاف بجدواه، يذكر المفوض الأوروبي الفرنسي تييري بريتون، أنه في اجتماع في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2020، حذر ترمب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، من أنه إذا تعرضت أوروبا لهجوم عسكري، فإن الولايات المتحدة لن تهب لمساعدتها، وقال لها: "يجب أن تفهموا أنه إذا تعرضت أوروبا لهجوم، فلن نأتي لمساعدتكم ودعمكم أبدا". كما ذكرها ترمب أيضا: "أنتم مدينون لي بمبلغ 400 مليار دولار، لأنكم أيها الألمان لم تدفعوا ما كان ينبغي عليكم دفعه مقابل الدفاع".
وعليه، يبدو أن أغلب المسؤولين الأوروبيين يفضلون أو يتمنون عدم عودة ترمب إلى البيت الأبيض، والخلاصة التي توصلوا إليها، هي أن أفضل طريقة للتعامل مع ترمب في حال فوزه في نوفمبر المقبل، هي الحفاظ على الهدوء وإبعاد أوروبا عن طريقه.