مع الذكرى الـ 13 لاندلاع الأزمة السورية، خرج قبل أيام بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة لبشار الأسد. وقال إن الهيئة ترغب في أن تقام المفاوضات بين الأسد والمعارضة في العاصمة السعودية، الرياض التي انطلقت منها هيئة التفاوض السورية نهاي العام 2015 لأول مرة، ووصف الرياض بأنها الأكثر حرصا على إعادة الاستقرار في سوريا، وأكد أنه بعث للرياض بهذه الرغبة.
هذا الإعلان جاء بعد فشل الأمم المتحدة في إقناع حكومة بشار الأسد في إقامة مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف. حيث تعتبر روسيا وبشار الأسد جنيف منطقة غير محايدة، خصوصا بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية والموقف الغربي الحاد منها، فخلال الأيام الماضية أرسل المبعوث الأممي غير بيدرسون لدمشق دعوة للذهاب إلى جنيف، لكن دمشق أبلغته أنها ترفض الذهاب إلى هذه المفاوضات التي انطلقت منذ 2019 في ثماني جولات باءت كلها بالفشل، وتهدف اللجنة الدستورية التي أقرتها الأمم المتحدة إلى وضع إصلاحات دستورية وتشكيل هيئة حكم انتقالية وانتخابات جديدة.
يأتي طرح خيار استضافة الرياض لهذه المفاوضات بعد تطبيع العلاقات السعودية- السورية، وزيارة بشار الأسد للمملكة بعد قطيعة استمرت منذ عام 2011 مما يعزز من فرص قبول دمشق لهذا الخيار، علاوة على ذلك فالرياض اليوم تربطها علاقة كبيرة واستراتيجية بموسكو التي تفضل أن تكون المفاوضات في عاصمة عربية أو إقليمية.
حكومة بشار الأسد ليس لديها طريق لحل أزمتها ورفع العقوبات القاسية عنها إلا من خلال التفاوض
لم تبد الرياض حتى الآن أي تلميح بالقبول أو الرفض، ومثلها دمشق التي طرح عليها المقترح، وفق المصادر الخاصة، من خلال المبعوث الأممي الذي زارها قبل الأيام. لكن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للرياض ومقابلته لنظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قبل أيام تشي بأن هناك حراكا في هذا الشأن حتى لو لم تصرح بذلك.
إن حكومة بشار الأسد ليس لديها طريق لحل أزمتها ورفع العقوبات القاسية عنها إلا من خلال التفاوض مع المعارضة والمجتمع الدولي، فهذه العقوبات تمنع اليوم أي دولة من دول العالم من العمل في إعادة إعمار سوريا بأي شكل من الأشكال أو حتى ضخ الاستثمارات في دمشق، وهو ما يجعل أي علاقة طبيعية بين دمشق ودول الجوار أو العالم رهينة لهذه العقوبات التي تعرقل أي تطور نوعي للعلاقة أو تخفيف للأزمة السورية العالقة والتي يوجد بسببها اليوم 5 جيوش أجنبية على الأراضي السورية.
وفي المقابل، فإن إقامتها في الرياض ستنزل هيئة المفاوضات المعارضة وبشار الأسد من الشجرة التي علقوا فيها جميعا، فالأسد عالق في العقوبات، وهيئة المفاوضات عالقة بتضاؤل أهميتها في المجتمع الدولي وفي الداخل السوري بعد مضي كل هذه السنوات.
تقول المصلحة السياسية إن إقامة المفاوضات في الرياض ستعبر بالأزمة السورية لحل يضمن فوائد أكبر من إقامتها في أي عاصمة أخرى، فالسعودية اليوم قادرة على خلق حالة من التوازن بين الشرق والغرب، وهي الدولة التي تستطيع أن تكون طرفا محايدا ومقبولا بين الأسد وهيئة المفاوضات، وتمتلك أوراقا لا يمتلكها سواها في المنطقة إن أرادت أن يتجاوز دورها استضافة المفاوضات. فهي الدولة التي سيعول عليها في مرحلة ما بعد الاتفاق إن حدث، وخصوصا في ملف التنمية وإعادة الإعمار والاستثمار وعودة المهجرين المنتشرين في العالم، وهي الدولة القادرة على خلق الضمانة الأكثر موثوقية لهؤلاء المهجرين وقوى المجتمع المدني، وهي الدولة القادرة على خلق التفاهم مع اللاعبين الدوليين في سوريا مثل تركيا وقطر والأكراد والولايات المتحدة بدرجة أهم.
إقامة المفاوضات في الرياض ستعبر بالأزمة السورية لحل يضمن فوائد أكبر من إقامتها في أي عاصمة أخرى
ترى الرياض أن القضية السورية مرت بمراحل وأخطاء، وأن هذه الأزمة قد طالت، وأن عودة الاستقرار لسوريا ستجعل المنطقة برمتها مستقرة مما سينعكس بالضرورة على لبنان والعراق والأردن التي تتهددها الأزمة بالميليشيات ومهربي المخدرات.
وقد تخشى الرياض مصير فشل المفاوضات مثل كل الجولات السابقة التي فشلت فشلا ذريعا، وهذا يطرح على طاولتها معيار القبول أو الرفض لهذا المقترح، لكنني أعتقد أن هذه الفرصة المهمة ستخلق حالة جديدة وطبيعة مركبة لعلاقة هيئة المفاوضات بحكومة الأسد مما سيذيب الكثير من الجليد ويفتح فرص انفراج لهذه الأزمة، كما أن تعزيز حضور الرياض في شمال أمنها القومي من الجيد أن يدفعها لتأمل هذه الدعوات والتفكير بشكل جدي فيها.