جبريل الرجوب أحد أبرز السياسيين الفلسطينيين منذ حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات. تقلد كثيرا من المناصب المهمة، وتدرج في الرتب الأمنية إلى أن وصل إلى رتبة فريق في الأمن الفلسطيني، كما أسس الأمن الوقائي في الضفة الغربية المحتلة. ويشغل حاليا منصب أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح". اعتقلته إسرائيل أكثر من مرة، ومكث في سجونها 17 عاما قبل أن يطلق سراحه في صفقة تبادل أسرى عام 1985.
أجرت "المجلة" حوارا شاملا مع الرجوب بمكتبه في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، عن خارطة الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد حرب غزة وهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشرعية النظام السياسي الفلسطيني الراهن متمثلا في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
تحدث الرجوب عن كيف أصبحت فلسطين مشروعا للعالم بأسره اليوم، بعد أن كاد ينساها، وأن أي حلول مستقبلية يجب أن تشمل حركة "حماس"، لأنها حركة أيديولوجية وفصيل مقاوم متجذر في النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
لكن ينبغي على "حماس"، على حد تعبيره، التقدم بمقاربة سياسية تقبل بالمنظومة الدولية ولرأب الصدع الفلسطيني.
وقال الرجوب أيضا إن حرب غزة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك لدى الإدارة الأميركية والغرب عموما أن سلوك اليمين الفاشي في إسرائيل أصبح يشكل خطرا على مصالحهم ويتناقض كليا مع ما يعتقدون أنه آلية تحقيق الاستقرار الإقليمي والسلم العالمي، إذ ثبت للجميع أن الحرب في غزة هي حرب على الشعب الفلسطيني وليست على "حماس". ويضيف: "حماس بالنسبة لنا خصم سياسي وصراعنا معها صراع ديمقراطي، أخلاقي، قيمي، صراع له علاقة بروايتنا على وعي هذا المواطن الفلسطيني الذي هو أنبل أصولنا الوطنية".
ويضيف أن نهاية الانقسام الفلسطيني لا تعتمد على حسن النوايا ولا على النصوص، ولكن تتوقف على تجاوز الترسبات السياسية، الأيديولوجية، الاجتماعية الموجودة بين الفرقاء.
وشدد الرجوب على أهمية توفير الحماية الدولية للفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي.
وإلى نص الحوار:
* هل يمكن إحياء "اتفاق أوسلو" اليوم؟ نحن أمام حكومة إسرائيلية يقودها اليمين المتطرف، رئيسها بنيامين نتنياهو ويفتخر علنا بأنه، كما يقول، الوحيد الذي يستطيع الحؤول دون قيام دولة فلسطينية، فهل يمكن إحياء "أوسلو" اليوم؟
- "اتفاق أوسلو" دُفن، ولا مكان له في هذه المرحلة، فاستراتيجية نتنياهو واليمين الإسرائيلي قائمة منذ 1996 إلى الآن على مسألتين: إنهاء أي التزام إسرائيلي حتى لو كان شكليا يقر بوجود الشعب الفلسطيني وبحقوقه السياسية، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967.
الموضوع الثاني: إحداث تغييرات جغرافية وديموغرافية وفرض حقائق على الأرض لإنهاء فكرة الدولة موضوعيا من خلال الاستيطان ومن خلال عملية التهويد للأراضي الفلسطينية وعلى رأسها القدس، فكل سنتيمتر فيها وكل إنسان وكل مؤسسة مستهدفة من جانب اليمين الفاشي الإسرائيلي، ولكنّ الجديد اليوم مسألتان: الأولى هي التحول في الرأي العام الدولي، وهو أحد ارتدادات حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مورس في القدس وفي معظم مدن الضفة الغربية، وانتقلت بعد 7 أكتوبر إلى قطاع غزة في محاولة لاجتثاث الفلسطينيين هناك، وخنقهم هنا، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية غير المباشرة لهذا العدوان الأحادي الجانب على فلسطين والذي له علاقة- كما قلت- بإنهاء فكرة الدولة وتطبيق الضم الزاحف للأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية وشرق القدس.
هذا التحول بدأ يُترجم بمواقف، سواء كان في مجلس الأمن أو في أركان الأقطاب الدوليين كأميركا وآخرين بأن درجة التناقض بين مصالحهم ومفهومهم للشرعية الدولية وبين سلوك اليمين الفاشي في إسرائيل أصبح يشكل خطرا على مصالحهم ويتناقض كليا مع ما يعتقدون أنه آلية تحقيق الاستقرار الإقليمي والسلم العالمي من خلال حل الصراع بإقامة الدولة الفلسطينية، وهم أنفسهم يقولون إنه مصلحة لاستمرار وجود إسرائيل ودمجها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن في إطار الحدود المعترف بها دوليا وهي حدود عام 1967. هذه هي التحولات الجديدة في السياق الإقليمي والدولي.
* لكن "اتفاق أوسلو" بدأ، آنذاك، في إرساء قواعد الدولة الفلسطينية المرتجاة، نحن نتحدث عن اعتراف دولي من منظمات دولية بدولة فلسطين، وسفارات لدولة فلسطين؟
- عندك إفرازات أصبحت حقائق لا يمكن التلاعب بها، أعتقد أن هناك أربع حقائق تكرّست في الواقع الوطني الفلسطيني وفي وعي العالم وعلى أجندة المجتمع الدولي، الحقيقة الأولى: أن الدولة الفلسطينية المستقلة عنصر واجب الوجود في معادلة الصراع. الحقيقة الثانية: تثبيت منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. الحقيقة الثالثة: السلطة الوطنية حقيقة واقعة على الأرض لتقديم كل الخدمات والرعاية للفلسطينيين في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك شرق القدس. الرابعة أن الفلسطينيين أمسكوا بزمام الأمور وأصبح قرارهم وطنيا نابعا من واقعهم، منسجما مع طموحاتهم وتطلعاتهم وفهمهم لمصالح الغلاف الإقليمي والمجتمع الدولي، فهذه الحقائق بالتأكيد جزء منها تراكمي، وجزء منها يأتي من الممارسات الإسرائيلية ورد الفعل الفلسطيني، وإصرار العالم على حماية الاستقلال الوطني الفلسطيني.