تضاءلت فرص التوصل إلى حل للصراع الأوكراني خلال العام المقبل إلى حد كبير، بعد الفوز الانتخابي الحاسم الذي حققه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولاية خامسة. ومع وجود معظم خصوم بوتين إما في السجن وإما في المنفى وإما متوفون، فقد توقع الناخبون الروس إلى حد كبير أن الانتخابات الرئاسية ستؤدي حتما إلى فوز بوتين بإعادة انتخابه. وقد تلاشت فرص مواجهة أي تحدٍ حقيقي لمحاولة إعادة انتخابه بعد وفاة أليكسي نافالني وهو شخصية بارزة في المعارضة الروسية والذي توفي في ظروف غامضة أثناء احتجازه في مستعمرة جزائية بالقطب الشمالي الروسي.
وتشير السجلات الروسية الرسمية إلى أن نافالني توفي الشهر الماضي وفاة طبيعية. ولكن أنصاره ومعهم زوجته يوليا نافالنايا يعتقدون أن السلطات الروسية قتلته، مع أنهم لم يقدموا بعد أي دليل قاطع يؤيد ادعاءهم.
تجنب بوتين عمدا أن يأتي على ذكر منافسه السياسي علنا طيلة الأسابيع التالية لوفاة نافالني. ولم يعلق بوتين على وفاة خصمه إلا بعد الانتهاء من فرز الأصوات في انتخابات نهاية الأسبوع الماضي، واصفا ذلك بأنه "حدث حزين". وذكر أيضا أنه في وقت وفاة نافالني، كان الكرملين منخرطا في مناقشات مع الولايات المتحدة حول تبادل أسرى محتمل يشمل نافالني.
ومع عدم تمكن نافالني وغيره من معارضي بوتين من المشاركة في التصويت، اتخذت الاحتجاجات الوحيدة على إعادة انتخابه شكل طوابير طويلة من المتظاهرين الذين احتشدوا عند مراكز الاقتراع منتصف نهار الأحد كجزء من جهد خططوا له مسبقا لتسجيل سخطهم.
ولكن تلميحات احتجاجية كهذه لم تمنع بوتين البالغ من العمر 71 عاما من الخروج منتصرا بنسبة تقدر بنحو 88 في المئة من الأصوات، وهذا النصر الكاسح سيضمن له أن يبقى ست سنوات أخرى الزعيم القوي لروسيا.
علاوة على ذلك، فإن لحجم الانتصار هذا أهمية عند بوتين، خاصة في ما يتعلق بقدرته على الاستمرار في قيادة الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا، التي دخلت الآن عامها الثالث.
لا يزال بوتين يعتقد أنه قادر على تحقيق هدفه في احتلال مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية، حتى بعد الانتكاسات الكثيرة التي منيت بها القوات الروسية منذ أن أطلق الزعيم الروسي ما يسمى "العملية العسكرية الخاصة" في فبراير/شباط 2022.
يأمل الكرملين في أن تساعد الانتخابات الأخيرة في تعزيز تأييد الشعب الروسي للمجهود الحربي
غير أن عليه لتحقيق ذلك أن يضع البلاد في حالة حرب، حيث لا تسامح فيها مع أي اعتراض على طريقة تعامله مع الصراع، إضافة لتسخير موارد الشعب الروسي بأكملها، بدءا من استدعاء المجندين للخدمة على الخطوط الأمامية إلى الزيادة الدراماتيكية في إنتاج الأسلحة الضرورية، من أجل تحقيق النصر.
ومن الواضح أن القضية الأوكرانية كانت تحتل المقام الأول في ذهن الزعيم الروسي عندما عقد مؤتمرا صحافيا في مقر حملته الانتخابية في موسكو، بعد وقت قصير من إغلاق صناديق الاقتراع، حيث أصر على أن خصوم روسيا لن يستطيعوا "إرهابها".
وأعلن بوتين: "أريد أن أشكركم جميعا وأن أشكر جميع مواطني البلاد على دعمكم لي والثقة التي منحتموها لي". ثم أضاف: "أيا كان من يرغب في ترهيبنا وكيفما كان مدى رغبته هذه، وأيا كان من يرغب في قمعنا وكسر إرادتنا ووعينا وكيفما كان مدى رغبته هذه فلم يسجل التاريخ أن أحدا نجح في شيء كهذا مطلقا. لم ينجح هذه المرة ولن ينجح في المستقبل أبدا".
ومن المتوقع الآن أن يستخدم الزعيم الروسي فوزه الكاسح، الذي سجل فيه أكبر نسبة من الأصوات سجلت يوما في الانتخابات الرئاسية الروسية، لتعزيز جهود الحرب الروسية المتعثرة في أوكرانيا.
وفيما أنفقت المؤسسة العسكرية الروسية العام الماضي في ضمان أن لا يحقق الهجوم العسكري الأوكراني الذي طال انتظاره، أي مكاسب كبيرة، كانت المكاسب الروسية في الأشهر الأخيرة متواضعة هي الأخرى، وكلفت كثيرا من الخسائر في الأرواح. ويقدر مسؤولو المخابرات الغربية أن روسيا تكبدت نحو 400 ألف بين قتيل وجريح في ساحة المعركة خلال العامين الماضيين من القتال، وهي خسائر أدت إلى تدني معنويات القوات الروسية على نحو خطير في ساحة المعركة.
ويأمل الكرملين في أن تساعد الانتخابات الأخيرة- التي شملت لأول مرة الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا- في تعزيز تأييد الشعب الروسي للمجهود الحربي.
أعلن ترمب أنه سيوقف الدعم الأميركي لأوكرانيا على الفور إذا فاز في انتخابات نوفمبر المقبل
وخلال الحملة الانتخابية، شهد الوضع على الحدود نشاطا متزايدا، مع تزايد الحوادث الأمنية التي شملت مجموعات متحالفة مع كييف. حدثت هذه التطورات جنبا إلى جنب مع تأكيد كبير لقوة موسكو، حيث أكد بوتين على أن روسيا لا تزال تتمتع بميزة استراتيجية كبيرة في الصراع المستمر. ومن المتوقع أن تلعب هذه الميزة، بحسب بوتين، دورا حاسما في ضمان النصر.
وفي خطابه بعد الانتخابات، خص بوتين القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا بشكر خاص قائلا: "المبادرة تعود بالكامل إلى القوات المسلحة الروسية. وفي بعض المناطق، يسحق رجالنا العدو تماما".
ويعني فوز بوتين أيضا أن أي أمل في التفاوض لإنهاء الصراع، وهي النتيجة المفضلة لعدد متزايد من الزعماء الغربيين، بات فيما يبدو مستبعدا إلى حد كبير، لأن الزعيم الروسي لن يرغب في اتخاذ أي قرار بشأن مستقبل أوكرانيا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وبينما يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه ملتزم بمواصلة دعم واشنطن العسكري والمالي لكييف، فإن هناك علامات متزايدة على الإرهاق من الحرب بين جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء، يرون أن دعم واشنطن لأوكرانيا ينبغي أن لا يكون بلا نهاية.
على النقيض من ذلك، أشار دونالد ترمب، المنافس الجمهوري، إلى أنه سيوقف الدعم الأميركي لأوكرانيا على الفور إذا فاز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وفي المقابل سوف يحث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على التفاوض على شروط السلام مع الكرملين.
وبوتين الذي يعتقد أنه يتمتع بعلاقة شخصية جيدة مع ترمب، سوف يتشجع في ظروف كهذه على الاعتقاد بأنه قادر على التوصل إلى اتفاق يمكن روسيا من الاحتفاظ على الأقل بسيطرتها على ما استولت عليه من أراض في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، مما يسمح للكرملين بأن يعلن انتصاره في الحرب.
وبينما تمثل نتيجة كهذه انتكاسة هائلة لأوكرانيا، خاصة بعد كل المعاناة التي شهدتها البلاد في العامين الماضيين، فستكون هذه النتيجة هي خيار بوتين الذي يضعه نصب عينيه في الأشهر المقبلة، وسيتراجع اهتمام بوتين بإنهاء الأعمال العدائية حتى تُعرف نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأقل.