طرابلس- ليبيا: تتضارب الأرقام حول أعداد السودانيين الذين دخلوا ليبيا هربا من الحرب الأهلية المحتدمة في بلادهم منذ أبريل/نيسان 2023. العدد قد يصل إلى ربع مليون سوداني وسودانية يتوزعون اليوم بين عدة مدن ليبية، أهمها مدينة الكفرة الحدودية التي تمثل بوابة للسودانيين القادمين عبر ممر المثلث في رحلات "تهريب" مرعبة يُحاصر فيها الحالمون بالفرار من جحيم الحرب الجوع والعطش وبطش المهربين وعصابات الإتجار بالبشر وأهوال المسالك الصحراوية الوعرة والخطف والاغتصاب، وقد ينتهي الأمر ببعضهم في ميليشيات مسلحة.
تنتظم يوميا، عبر عدة مسالك أو ممرات، رحلات تهريب تقود آلاف السودانيين نحو ليبيا. وعلى الرغم من مخاطر هذه الرحلات وتكلفتها المرتفعة، فإنها لا تكاد تتوقف مستمرة في نسق تصاعدي منذ أشهر بسبب الأحداث الدامية في السودان. ويمكن للسودانيين الراغبين في العبور إلى ليبيا، "الحجز" عبر التواصل مع "مهربين" عبر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تنطلق الرحلة، ولا أحد يعلم أين وكيف ستنتهي، لكنها تبقى مع ذلك "أرحم من البقاء تحت القصف" حسب شهادات سودانيين عاشوا هذه التجربة ورووا لـ"المجلة" بعض تفاصيلها.
رحلة الرعب
ينتظر وليد الشيخ وصول أفراد أسرته المكونة من 4 أفراد إلى منطقة بنغازي الواقعة شرقي ليبيا. دخلت العائلة منذ أيام قليلة إلى مدينة "الكفرة" في جنوب البلاد بعد رحلة شاقة دامت 6 أيام بتكلفة تناهز 2000 دينار ليبي (415 دولارا). يقول وليد البالغ من العمر 34 سنة والعامل كفني نقالات، لـ"المجلة" إن "عائلته وصلت الكفرة لكن الانطلاق منها إلى بنغازي قد يتم في غضون أيام ستكون عصيبة عليهم وعلي".
يترقب وليد وصول العائلة وهو يدرك أن المخاطر لا تزال جاثمة على الرغم من بلوغهم مدينة الكفرة. يقول لـ"المجلة" إن الرحلة من الكفرة إلى بنغازي ستستغرق 3 أيام في أحسن الأحوال. يتحدث وليد عن تجربة، فقد عاش منذ 4 أشهر نفس أطوار الرحلة التي يقول إنها تتشابه ولا تتشابه، فلا أحد من السودانيين الذين قرروا الفرار في شاحنات تهريب يعرف ماذا سيحصل خلال الرحلة، ولا كيف ستنتهي.
ينحدر وليد من منطقة شمال كردفان السودانية التي يصفها بأنها إحدى أكثر المناطق تضررا من الحرب: دمرت فيها المنازل والبنية التحتية وانقطعت شبكة الاتصالات وكل مرافق الحياة. يسرد وليد تفاصيل يوم مغادرته شمال كردفان: "خرجت والطيران دق على المدينة، وكان المتمردون في الشوارع، وهذا يعني أن مجرد الاعتراض قد يساوي النهاية... يعامل المتمردون كل من يعترضهم معاملة سيئة... قد تكون هدفا للسرقة والضرب وقد تقتل لكنني قررت الفرار مع ذلك رغم المخاطرة... غادرت وقد كنت بصحبة 5 رجال و7 نساء وكانت بداية الرحلة في سيارة صغيرة".
وتابع: "من كردفان وصلنا إلى منطقة المزروب (السودان) التي تعد نقطة الالتقاء الأولى في رحلة المرور إلى ليبيا ومنها إلى معبر المثلث. هناك تجد شاحنات تهريب البنزين، ولك أن تختار بين المهربين السودانيين أو الليبيين، والأفضل أن تتعامل مع مهربين ليبيين، ففي تلك المنطقة تحاصرك الشكوك عند التعامل مع بعض السودانيين فقد لا يكون المرور مضمونا وقد تباع إلى ميليشيات مسلحة وتعود إلى النقطة الصفر".
تدوم الرحلة من منطقة المزروب إلى منطقة المثلث الحدودية 3 أيام. وفي المثلث تبدأ رحلة الرعب الحقيقية حسب شهادات سودانيين تحدثوا إلى "المجلة". فعلى غرار وليد، عاش مروان وأبو علي وعبد الحفيظ الموت ألف مرة قبل بلوغ منطقة الكفرة. وهناك يكون الوضع أفضل في مستودعات المزارع التي تتحول إلى جنة مقارنة بأهوال الرحلة.
من معبر المثلث، يكون الانطلاق نحو الكفرة في شاحنة يتكدس فيها العشرات من البشر. كان وليد أفضل حالا من البقية. فقد كان رفقة 35 شخصا فقط فيما يبلغ المعدل في شاحنة تهريب بين 60 و75 شخصا. يقول وليد: "تم إيقاظنا عند الساعة الرابعة فجرا، وقبل الصعود إلى الشاحنة كان الوضع أشبه بسوق الرق... هو سوق رق... كنا نسمع المفاوضات... كم شخصا مقابل البنزين... نباع مقابل الحصول على البنزين المهرب... باديك (أعطيك) بنزين تديني كم نفر؟".