في يناير/كانون الثاني من هذا العام، قامت إثيوبيا وأرض الصومال بتوقيع مذكرة تفاهم رسمية، في خطوة أعقبها مباشرة اتفاق منفصل بين تركيا والصومال. أضافت هذه التطورات طبقات من التعقيد إلى الديناميكيات المعقدة بالفعل في منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة تشتهر بأهميتها الاستراتيجية وتقلباتها التاريخية.
ويشكل القرن الأفريقي مثالا رئيسا على وقوع المناطق التي تتمتع بقيمة جيواستراتيجية وموارد طبيعية في كثير من الأحيان ضحية لمزاياها الخاصة. وتتعزز أهمية هذه المنطقة من خلال دورها الحاسم في السلامة البحرية والوصول إلى البحر. ويتعامل مضيق باب المندب- البوابة الجنوبية لأقصر طريق بحري بين أوروبا وآسيا- مع ما يقرب من 12 في المئة من التجارة العالمية. سوى أن أهميته تلك جعلته أيضا هدفا للقرصنة والهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التي تنقل السلع الاستهلاكية وموارد الطاقة.
لقد جذبت أهمية هذه المنطقة انتباه القوى الاستعمارية والمصالح الدولية لعدة قرون. وأدى "التدافع من أجل أفريقيا" في القرن التاسع عشر إلى قيام الدول الأوروبية بتقسيم القارة واستعمارها. وعندما بدأت الدول الأفريقية في تأكيد استقلالها خلال الستينات، واجهت مهمة شاقة تتمثل في استعادة الأراضي التي استولت عليها سابقًا، مما أثار في كثير من الأحيان نزاعات وصراعات مع مطالبات متنافسة.
وما الصراعات بين الصومال وأرض الصومال، وبين إثيوبيا وإريتريا سوى مثالين على ذلك. لقد جرّد انفصال إريتريا عام 1993 إثيوبيا من كامل ساحلها الذي يبلغ طوله أكثر من 800 كيلومتر، مما حولها إلى أكبر دولة غير ساحلية من حيث عدد السكان في العالم.
ومن غير المفهوم حقا كيف كان لإثيوبيا أن تقبل مثل هذا الشرط؟ ولماذا لم تتمكن من التمسك حتى ببضعة كيلومترات من الساحل، ولكن مهما كان السبب، فإن الحكام الإثيوبيين اليوم يتخذون خطوات لتصحيح أخطاء الحكام الإثيوبيين آنذاك.
وقد أبرمت إثيوبيا اتفاقا مع جيبوتي، يسمح لها باستخدام ميناء بربرة، لكن هذا لا يعني أنها تتمتع بساحلها ومينائها الخاصين. وفي إطار سعيها للحصول على منفذ دائم إلى البحر، وقعت إثيوبيا اتفاقا مع أرض الصومال في يناير/كانون الثاني 2024، ووعدت في المقابل بالاعتراف بها كدولة مستقلة.
وأعلنت أرض الصومال، وهي مستعمرة بريطانية سابقة، استقلالها من جانب واحد عام 1991، ولم يعترف بها أحد منذ ذلك الحين. وبدهي أن الصومال لم تتقبل أنباء الانفصال بشكل جيد ولأسباب واضحة، ولم تكن في ذلك وحدها، فقد أعرب بقية المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات. وحتى سكان أرض الصومال ليسوا جميعا راضين عن ذلك، وقد استقال وزير الدفاع احتجاجا على الانفصال.
وتعد الصومال واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسة في المنطقة. فساحلها الذي يبلغ طوله 3300 كيلومتر يجعل من الصومال دولة ذات واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في أفريقيا وهي غنية بالنفط البري والبحري ومصائد الأسماك وكذلك المعادن.