لم يسبق أن تجمعت في حرب واحدة بالمنطقة كل التعقيدات والتناقضات والحسابات التي تجمعت في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فإلى جانب الحسابات الإسرائيلية التي تتجاوز بطبيعة الحال المستوى العسكري والسياسي لهذه الحرب بالنظر إلى تحولها مرحلة من مراحل السعي الإسرائيلي إلى تصفية القضية الفلسطينية، تبرز الحسابات الخاصة لكل الأطراف المنخرطة في الحرب سواء الولايات المتحدة الأميركية أو إيرن ووكلاؤها في المنطقة. وهنا يقتضي التفريق بين طبيعة حسابات كل من واشنطن وطهران ووكلائها، باعتبار أن أميركا كقوة دولية كبرى من خارج المنطقة ليست لديها توظيفات مباشرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل تنطلق من رؤية أوسع للإقليم تقيم مقارباتها للحرب الدائرة على أساسها، بينما تضع إيران وميليشياتها المسألة الفلسطينية في صلب استراتيجيتها التوسعية في الإقليم، وبالتالي فإن حجم توظيفاتها فيها لا يضاهيها فيها أحد.
من هنا يقتضي الفصل بين ما يجري في غزة- والذي يرقى إلى مستوى حرب إبادة تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني- و"جبهات الإسناد" التي تقودها الميليشيات الموالية لإيران في كل لبنان واليمن والعراق، وبدرجة أقل بكثير في سوريا. أي إنه يقتضي عدم سحب أو إسقاط الموقف الأخلاقي والسياسي من الوحشية الإسرائيلية في غزة على "جبهات الإسناد" تلك، باعتبارها جزءا من منظومة ردع إسرائيل في حربها على القطاع الفلسطيني ودفعها إلى كبح جماحها وإحباط تصميمها على أذية الفلسطينيين ما وسعها ذلك.