سيف الرحبي شاعر وكاتب عماني ورئيس تحرير مجلة "نزوى" الثقافية الفصلية التي تصدر في مسقط. ولد في 1956، ودرس في القاهرة وتنقل بين أكثر من بلد عربي وأوروبي. بمناسبة صدور 4 مؤلفات جديدة له منها الأعمال الناجزة، كان لـ "المجلة" حوار مع الشاعر.
- في أعمالك الأخيرة ومن بينها الأعمال الناجزة وقبلها الكثير من المنشورات، ما يوحي بأنك كاتب متفرغ فقط للكتابة تتنقل باستمرار من مكان إلى آخر وتستلهم تلك الأمكنة في أعمالك، حدثنا عن ذلك.
أصدرت فعلا ثلاثة كتب، كُتبت خلال جائحة كوفيد 19. صرتُ أكتب بشكل يومي، وأنا غالبا هكذا، إلا خلال فترات قرف ويأس مُطبق بالمعنى المُحبط؛ إذ لليأس والقرفِ، وهما من شروط الكينونة لدى البعض، خاصة ممن جرفهم دوار الوجود، مسارا خصبا وثريا على الصعيد الروحي والإبداعي. في تلك الفترة المحدودة أنصرف وأتمرد على الكتابة، وأكون قارئا محضا، وهذا أجمل.
"رحلة إلى جبالِ سراييفو" كتبتُها في العام الثاني من عمر كوفيد، الذي حصد أرواحا كثيرة من العائلة والأصدقاء، سُمح لنا بالسفر إلى البوسنة والهرسك وذهبت مع زوجتي والولدين، فجاءت هذه الرحلة بمثابة برهة تحرر من سجن الوباء اللعين، الذي كانت عدالته الوحيدة توحيد الكوكب البشري، بشماله وجنوبه، بأغنيائه وفقرائه وهم الأغلبية الساحقة، لكن حتى عدالة هذا التوحيد تتسم بنقص جوهري، إذ كيف يتساوى من يملك المال والنفوذ، مع من لا يملك الحد الأدنى من مقومات الحياة والمعيش؟
ذهبتُ إلى بلاد البلقان، فانفتح مشهد الذاكرة على مصراعيه، كنت أقمت فترة من الزمن في بلغاريا المُجاورة للبوسنة، إبان المعسكر الاشتراكي وخليفته الاتحاد السوفييتي، وفق رطانة تلك المرحلة، التي ما زال فيها البعضُعلى نحو من حلم ولمعانِ سراب، انطفأ لاحقا بحكم توحش التقنية والحروب الأهلية، وغير الأهلية، التي طحنت أجساد الشعوب وأرواحها وأحلامها، خاصة في المشرق العربي. كنت على شيء من الدراية والذكريات لذلك المعسكر الآفل. حين أسافر، وكنت مصابا بقلق المكان الواحد، وبإلحاح هاجس الموت والغياب، كنت أسافر كثيرا وأكتب من غير دلال بالطبع ولا نقيضه.