في مقابلة أجريت مؤخرا مع إحدى وسائل الإعلام الروسية، رفض الرئيس السوري بشار الأسد بشكل ساخر العقوبات المفروضة على نظامه، واصفا إياها بأنها إجراءات رمزية وعديمة الجدوى. ومع أن دوافع تعليقات الأسد أيديولوجية بغرض الانتقاص من الدول الغربية التي تقف وراء العقوبات، فإن هذه التعليقات تحمل شيئا من الحقيقة. فغالبا ما تكون العقوبات الغربية إجراء لحفظ ماء الوجه وصرف اللوم عنها وليس أداة استراتيجية.
وقد كان ذلك واضحا في العقوبات التي فرضتها حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا الشهر الماضي على أكثر من 30 مستوطنا إسرائيليا، بسبب ما ارتكبوه من أعمال العنف والتحريض ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ومع أن هذه العقوبات تشكل لفتة مهمة لمحاسبة المستوطنين، إلا أنها ليست سوى قطرة في محيط، ومن غير المرجح لها أن تعرقل هجومهم المستمر على المجتمعات الفلسطينية.
ظلت الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى سنوات عدة ترى أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية وتشكل عقبة أمام السلام، لكنها غضت الطرف عن توسعها على أرض الواقع. واستمر هذا الموقف حتى عام 2019 عندما أعلنت إدارة ترمب على نحو مثير للجدل أن المستوطنات ليست بطبيعتها غير قانونية، لا بل اقترحت على إسرائيل ضمها. غير أن التصعيد الأخير أعاد وضع مسألة المستوطنين مجددا تحت الضوء بشدة.
في عام 2023، بلغ عنف المستوطنين مستويات غير مسبوقة، مما جعله أسوأ عام على الإطلاق. إذ شهد أكثر من 1200 حادثة منفصلة، هاجم فيها المستوطنون الفلسطينيين وممتلكاتهم بلا رحمة. وقد تكشفت موجة العنف هذه حتى قبل هجمات "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي أثارت بدورها أكثر من 600 اعتداء لمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. وتسببت هذه الاعتداءات في إصابة 53 فلسطينيا وإلحاق أضرار بـ484 من ممتلكات تعود لفلسطينيين، أو وقوع إصابات وأضرار في الممتلكات في 70 حادثة.
دفع تصاعد عنف المستوطنين إدارة بايدن إلى التحرك. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرضت على "متطرفين إسرائيليين (لم تذكر أسماءهم) يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية" حظرا من دخول الولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، فرضت في شهر فبراير/شباط عقوبات مالية على أربع شخصيات معروفة من المستوطنين بسبب ما ترتكبه من أعمال العنف والتحريض ضد الفلسطينيين.
على الدول الغربية أن تستهدف الكيانات التي تقدم دعما ماليا للمستوطنين
في المنحى نفسه، أعلنت المملكة المتحدة فرض عقوبات على أربعة مواطنين إسرائيليين لمهاجمتهم فلسطينيين في الضفة الغربية. وانضمت فرنسا أيضا إلى المسعى وأعلنت منع 28 مستوطنا إسرائيليا من دخول البلاد.
تبعث هذه الإجراءات غير المسبوقة ضد عنف المستوطنين الإسرائيليين رسالة حادة إلى كل من الحكومة الإسرائيلية والجناة في جميع أنحاء الضفة الغربية: المجتمع الدولي يرفض أن يتجاهل بعد الآن أعمال العنف الفظيعة هذه. إلا أن استهداف قلة من المستوطنين بالعقوبات لن يعالج المشكلة من جذورها أو يخفف معاناة الفلسطينيين المتضررين من أعمال العنف.
ليس هذا العنف مجرد سلوك بضع "تفاحات فاسدة"، بل هو مظهر من مظاهر السياسة المنهجية والوطيدة للحكومة الإسرائيلية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات. وهذه السياسة المعيبة بحد ذاتها هي التي تشجع هذا العنف. ففي أعقاب هجوم 7 أكتوبر، أصدر وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليمات صريحة لموظفي إنفاذ القانون بعدم إنفاذه في حالات العنف الذي يرتكبه القوميون اليهود. لذا تقتضي المعالجة الفعالة لهذه القضية أن تستهدف العقوبات الهياكل والسياسيين الذين يحرضون على العنف أو يتسامحون معه، وخاصة عنف المستوطنين. وعلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول أن توجه عقوباتها نحو المسؤولين مثل بن غفير.
وبالمثل، ينبغي على هذه الدول الغربية أيضا أن تستهدف الكيانات التي تقدم دعما ماليا للمستوطنين. وإذا كان تحديد هذه الشركات ومعرفتها لا يمثل تحديا، فإن التحدي هو حشد الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات ضدها.
وستكون البداية المناسبة أن تراجع هذه الحكومات قائمة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تضم 112 شركة متواطئة في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطينية بعملها في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وبينما تهيمن الشركات الإسرائيلية على هذه القائمة، ثمة شركات دولية كبرى متورطة أيضا، منها: "إير بي إن بي"، و"إكسبديا"، و"تريب أدفايزر"، و"بوكنغ كوم"، و"موتوريلا سولوشنز". وتحذير هذه الشركات من مغبة العقوبات الوشيكة ما لم تتوقف عن دعمها أو تعاونها مع المستوطنين لن يضمن امتثالها وحسب، بل سيكون أيضا سابقة يحتذي بها الآخرون. ولكن يجب على الدول لكي تنجح هذه الاستراتيجية، أن تسن قوانين تحظر التعاون مع المستوطنين أو دعمهم، مثل قانون قيصر الأميركي الذي يحظر دعم النظام السوري أو التعامل معه.
لكي تكون العقوبات حقيقية، على البلدان التي تفرضها أن تكف عن استخدامها كورقة توت
ومن المهم أن نعترف بأن غياب العقوبات الفعالة ضد المستوطنين الإسرائيليين ليس مرده فقط إلى الطبيعة المسيسة جدا للمناقشات المحيطة بمسألة محاسبة إسرائيل. إذ يمكن إبداء ملاحظات مماثلة على عقوبات مكافحة الكبتاغون. فعلى الرغم من التوثيق المكثف لتورط النظام السوري في إنتاج هذه المخدرات غير المشروعة في كل من لبنان وسوريا والعراق وتهريبها والإتجار بها، فقد فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أقل من 40 فردا وعدة كيانات. يضاف إلى ذلك أن هذه الدول فشلت في توسيع القائمة لتشمل أسماء إضافية منذ إعلانها الأولي قبل عام تقريبا.
وليس لهذه العقوبات، بالإضافة إلى نطاقها المحدود، أي تأثير على الأفراد الذين تشملهم القائمة. إذ ليس لأي منهم أعمال أو حسابات مصرفية في هذه البلدان، أقله بأسمائهم، كما لا يملكون القدرة على الحصول على تأشيرة للسفر إليها.
ولكي تحتوي العقوبات على قوة حقيقية، ينبغي على البلدان التي تفرضها أن تكف عن استخدامها كورقة التوت أو كإيماءة سطحية مصممة لخلق وهم بالتحرك. مثل هذه المحاولات الضعيفة لا تفوت الحكام المستبدين فيسخرون منها في المقابلات أو بين الجناة من داعميهم.