عودة العلاقات السودانية الإيرانية بعد لقاء بين وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق ونائب الرئيس الإيراني محمد مخبر، في قمة دول عدم الانحياز في أوغندا، فتح الباب أمام تخوفات قديمة لكثير من دول المنطقة والعالم ترى في تقارب البلدين مخاطر جسيمة ترقى إلى درجة التهديد الأمني من الدرجة الأولى وخاصة عقب ما تسرب من أجندة اللقاء وأهمها تطرق النقاش إلى ملف سواحل البحر الأحمر وعن تفاهمات ومبادلات بين سند إيراني في الحرب القائمة وتسهيلات سودانية لإنشاء قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر رغم نفي الجانبين لهذه التسريبات رسميا.
غير أن المخاوف والغبار الكثيف الذي أعقب اللقاء لم يكن من فراغ بأي حال، فهو يستند إلى تعقيدات آنية تكتنف علاقة إيران الإقليمية وتكتيكاتها السياسية في الصراع عن طريق إدارة معاركها خارج مجالها الجغرافي من جهة، وإلى الظرف الحرج الذي يعيشه السودان من جهة أخرى، إضافة إلى تاريخ العلاقة الملتبس بين الإسلاميين في السودان والدولة الإسلامية الإيرانية التي ينظر إليها على أنها علاقة شديدة التهديد لأمن المنطقة، وتحديدا لمنطقة الخليج ومصالح الولايات المتحدة الأميركية والاقتصاد العالمي على حد سواء.
ولما كانت حرب 15 أبريل/نيسان في السودان واحدة من إفرازات محاولة الإسلاميين للعودة للسلطة وانخراطهم المعلن في تدابيرها وإدارتها، فمن المهم تتبع علاقتهم مع الجمهورية الإيرانية الممتدة منذ فترة حكمهم وما سبقها، وخاصة بعد دخول عودة العلاقات بين البلدين ومساندة إيران للجيش بتحليق المسيرة الشهيرة "مهاجر-6" في سماء المعارك.
من العداء إلى التطبيع
قبل استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان عام 1989 لم تخرج العلاقة بين البلدين من الحيز المتفق عليه في المحيط العربي والإسلامي الذي ينظر إلى تحركات إيران في اتجاه مشروع الإمبراطورية الفارسية وتمدد المذهب الشيعي في مقابل المذهب السني. ولم يمانع السودان في الحصول على قروض مالية ومساعدات زراعية محدودة من إيران. ومن المحطات البارزة في تاريخ العلاقة إهداء شاه إيران قطعا بحرية للسودان رست في شواطئ البحر الأحمر. وهذا يعكس اهتمام إيران المبكر بهذه المنطقة.
وتسببت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 في قطع العلاقات بين البلدين ولكنها عادت في منتصف السبعينات قبل الإطاحة بالشاه برعاية من المخابرات الإيرانية التي ستصبح لها اليد العليا في العلاقة منذ تلك اللحظة. وعندما نشبت الحرب العراقية- الإيرانية لم يتردد جعفر النميري رئيس جمهورية السودان وقتها بالوقوف إلى جانب العراق في حربه مع إيران، وشارك جنود ومتطوعون سودانيون في الحرب.