وبقراءة أولية، فإن بوتين سوف يحصل على أعلى نسبة على الإطلاق منذ انتخابه للمرة الأولى عام 2000، وسيحصل على نسبة أصوات أعلى من انتخابات عام 2018 حين حصل على 76.8 في المئة. وفي المقابل فإن الخاسر الأكبر هو "الحزب الشيوعي"، فالتوقعات الحالية لخاريتونوف لا تتجاوز 6 في المئة، في حين حصل مرشح الحزب في 2018، بافيل غرودينين، على 11.7 في المئة. وفي حال صدقت التوقعات فإن ليونيد سلوتسكي سيحصل على نسبة مقاربة لما حصل عليها زعيم "الحزب الليبرالي الديمقراطي" الراحل فلاديمير جيرينوفسكي في 2018 حين حصل على 5.6 في المئة من الأصوات. وبهذا يثبت سلوتسكي ذاته في قيادة الحزب تحت شعار "قضية جيرينوفسكي ما زالت حية"، حسب اللوحات الإعلانية المنتشرة في المدن الروسية. ومعلوم أن سلوتسكي يعد المرشح الأقرب للإدارة الرئاسية نظرا لمواقفه الداعمة بالمطلق لبوتين.
وتكشف قائمة المنافسين وبرامجهم، إضافة إلى التوقعات، عن طبيعة الأوضاع التي آلت إليها روسيا بعد نحو 24 عاما من حكم بوتين من انعدام التنافسية وتهميش دور القوى السياسية مقابل صعود بوتين كشحصية مركزية لا بديل لها. وخلت قائمة المرشحين من أي شخصية رافضة للحرب الروسية على أوكرانيا بوضوح، كما لا تضم القائمة أيا من مرشحي المعارضة الليبرالية المدعومة من الغرب. وعلى الرغم من ثقة الكرملين بعدم قدرة المعارضين بوريس ناديجدين، ويكاتيرينا دونتسوفا، في تشكيل حالة منافسة لبوتين، فقد استبعدا عن المشاركة في الانتخابات نظرا إلى أنهما أعلنا عن أجندة مناهضة للحرب. وللمرة الأولى لم يُسجل أي معارض ليبرالي في تاريخ روسيا بعد السوفياتية.
نهج البوتينية
شهدت نهاية التسعينات الصعود "الصاروخي" وغير المتوقع لبوتين ضابط الاستخبارات المغمور الذي اضطر إلى مغادرة ألمانيا بداية تسعينات القرن الماضي، وأقر في فيلم "روسيا: التاريخ الحديث"، أنه اضطر إلى العمل سائقا لسيارة أجرة لإعانة عائلته بعد عودته إلى سانت بطرسبورغ. وذكر بوتين في الفيلم الذي أنتجته "القناة الروسية الأولى" وعرض في ديسمبر/كانون الأول 2021 أنه: "كان يتوجب علي أحيانا كسب مال إضافي... أعني كسب مال إضافي بواسطة السيارة، بالعمل سائقا خاصا. وصدقا، الحديث عن هذا الأمر لا يسر، لكن لسوء الحظ كان هذا هو الحال".
وبدا واضحا أن بوتين القادم من مدينة القياصرة استطاع بسرعة فهم طبيعة المعادلات والصراعات في الكرملين، ما ساعده في أن يصبح خليفة بوريس يلتسين الذي أقر بتعبه في خطاب الوداع نهاية 1999 بعدما أغرق روسيا في الفوضى بسبب تحكم الأوليغارشيين في قرارات الكرملين ما أدى إلى إفقار الشعب الروسي وانتشار الجريمة والفوضى، وفتح على زيادة النزعات الانفصالية.
وبعدما ضرب بيد من حديد الانفصاليين الإسلاميين في الشيشان وداغستان، مهد بوتين الطريق للفوز بأول انتخابات رئاسية حقق فيها نسبة بلغت 53 في المئة مقابل 30 في المئة لصالح غينادي زيوغانوف زعيم "الحزب الشيوعي" الروسي.
ومع بروزه بطلا منع انهيار روسيا وحارب الإرهاب، انطلق بوتين إلى تثبيت مواقعه في الحكم، واستبعد مراكز القوى السابقة التي كانت تتحكم في القرارات. وبدأ بترتيب الأوضاع الإدارية والأمنية لطي صفحة فوضى التسعينات. واقتصاديا ساعده ارتفاع أسعار النفط والانفتاح على الغرب في تحسين الأوضاع الاقتصادية وجذب الاستثمارات. وظاهريا، بنى بوتين حملته الانتخابية الثانية في 2004 على محاربة الأوليغارشيين، وفي الواقع فإنه وضع "حيتان المال" ممن اغتنوا من برامج الخصخصة في التسعينات، والتي وصفت بأنها أكبر عملية نهب منظم في التاريخ، أمام خيارين، هما: الولاء وعدم الخوض في السياسة وتقديم كل الدعم له، أو فتح ملفات الخصخصة وبالتالي السجن أو المنفى. وتمكن بوتين من الفوز في انتخابات 2004 بنحو 66 في المئة من الأصوات مع تقلص أصوات الداعمين لنيكولاي خاريتونوف المرشح الشيوعي إلى 14.7 في المئة، أي أقل من نصف ما ناله مرشح الشيوعيين عام 2000.