من العراق إلى غزة... تاريخ الإسقاط الجوي الإغاثيhttps://www.majalla.com/node/312711/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%82%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%BA%D8%A7%D8%AB%D9%8A
في مطلع هذا الشهر بدأت الطائرات الأميركية، بمساعدة بعض الدول العربية، إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو على قطاع غزة المنكوب. بدا الأمر منطقيا، نظرا لفشل كل المساعي الدولية لوقف إطلاق النار، وفي 2 مارس/آذار كانت أولى الإسقاطات الجوية عبارة عن 38 ألف وجبة طعام، تلتها 36800 وجبة إضافية بعد ثلاثة أيام، و38 ألف وجبة أسقطت بمساعدة الجيش الأردني في 7 مارس.
كثير من الناس انتقدوا الإجراء، وقالوا إنه جاء متأخرا للغاية، ورأوا أن أهالي القطاع بحاجة إلى وقف إطلاق نار فوري، وليس إلى وجبات تتصدق عليهم بها الإدارة الأميركية.
في أوقات الحرب، تكون الدقة مطلوبة أكثر لكي لا تقع المساعدات في أيدي الأعداء
عمليات الإسقاط الجوي تكون عادة آخر إجراء تلجأ إليه الدول والمنظمات الدولية، نظرا لتكلفتها العالية التي تزيد سبع مرات على تكلفة النقل البري للمساعدات. إضافة إلى أنها تفتقر إلى الدقة، وغالبا ما لا تصل المساعدات إلا إلى جزء صغير جدا من السكان الأكثر احتياجا لها. وفي معظم الأحيان، تقع مهمة الإسقاط الجوي على عاتق الجيوش، ولم تلجأ إليها الأمم المتحدة إلا عام 1973، يوم أسقطت المساعدات الإنسانية على الساحل الغربي في أفريقيا لمكافحة الجفاف التاريخي الكبير الذي دام ست سنوات، وضرب كلا من تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا والسنغال، وما يُعرف اليوم ببوركينا فاسو، وحدث إنزال جوي شهير في إثيوبيا– بقيادة البريطانيين– لرد آثار المجاعة المروعة التي شهدتها البلاد سنة 1984.
قد تبدو الإنزالات الجوية سهلة بالنسبة للمتلقي الخارجي، ولكن العملية تحتاج إلى دقة متناهية، مع دراسة كاملة لوزن المساعدات، وسرعة الرياح للتأكد من وصولها إلى هدفها المطلوب. وفي أوقات الحرب، تكون الدقة مطلوبة أكثر لكي لا تقع المساعدات في أيدي الأعداء، وهذا يتطلب التحليق على ارتفاع منخفض، ما يُشكل خطرا على الطائرة والطيار. وقد تختلف الأمتعة التي تُسقَط من الجو، من الطعام والأدوية، إلى الملابس والمستلزمات الصحية، وصولا إلى المعدات، والرسائل السياسية أو العسكرية.
بعد أن كانت الإسقاطات عشوائية، تطورت إلى شكل أكثر تنظيما باستعمال "الباراشوت"
وبعد أن كانت الإسقاطات عشوائية، تطورت إلى شكل أكثر تنظيما باستعمال الباراشوت، مما جعل هبوطها أهدأ وأضمن. وعلى الرغم من أن معظم المصادر تقول إن الإسقاطات الجوية بدأت في الحرب العالمية الأولى على يد الأميركيين، فإن أول استعمال فعلي لهذه الوسيلة كان في الحرب العالمية الأولى على يد البريطانيين.
العراق (1915)
أول تجربة إسقاط جوي إنساني لم تكن ناجحة، وقد لجأ إليها الطيران الملكي البريطاني سنة 1915، تزامنا مع انطلاق حملة عسكرية لتحرير بغداد من الجيش العثماني. حوصرت القوات البريطانية في بلدة كوت العمارة على ضفاف نهر دجلة جنوب شرقي العراق، من 7 ديسمبر/كانون الأول 1915 ولغاية استسلام الإنكليز في 29 أبريل/نيسان 1916. ضُرب الحصار على قرابة ثمانية آلاف جندي من الجيش البريطاني، معظمهم من مستعمرات الهند وأفريقيا، وقد وصل بهم الأمر إلى حد المجاعة، ما استدعى تدخلا جويا لإسقاط كميات من الأرز والعدس والطحين. كانت أول عملية إسقاط للمساعدات الجوية في تاريخ الحروب، ولكنها قوبلت بالرصاص من قبل العثمانيين، وسقطت معظم المساعدات إما في مياه دجلة أو في يد الأتراك، ولم يصل منها إلا 16800 رطل إلى الجنود البريطانيين.
هولندا (1945)
في الحرب العالمية الثانية، أصبحت الإسقاطات الجوية أكثر انتشارا على طرفي الصراع الأوروبي، واستعملها النازيون لمساندة قواتهم، ولجأ إليها الحلفاء لمساعدة المقاومة البولندية في حربها ضد الاحتلال النازي. أشهر عملية إسقاط جوية كانت في هولندا المحتلة من قبل الألمان منذ سنة 1940، حيث كانت كل خيرات البلاد ومنتجاتها الزراعية قد سُخرت لصالح الجيش النازي، ما وضع الهولنديين في حالة عوز كبيرة. وعندما دمر الألمان دفاعات المياه في البلاد، حصلت فيضانات كبيرة قضت على المحاصيل الزراعية.
وردا على المجاعة التي وقعت بسبب الألمان، أطلق الحلفاء عملية "مانا" في 29 أبريل 1945، وأسقطوا فيها 11 ألف طن من المساعدات الإنسانية على هولندا. وقد استمرت الحملة حتى 7 مايو/أيار 1945، أي بعد أيام قليلة من سقوط برلين في يد الحلفاء، وانتحار أدولف هتلر.
بورما (1943-1945)
وفي الحرب العالمية الثانية أيضا، لجأ الإنكليز إلى الإسقاط الجوي لمساعدة قواتهم في دولة بورما الآسيوية، التي كانت اليابان قد احتلتها سنة 1942. الجيش البريطاني كان يعرف البلاد جيدا، فهو موجود فيها منذ عشرينات القرن التاسع عشر، ولكن العمليات الجوية كانت صعبة للغاية، تتضمن تحليقا جويا منخفضا في عتمة الليل، لإسقاط المساعدات فوق الأدغال، والمناطق النائية. تمكنت طائرات الحلفاء من إنقاذ قوة بريطانية كبيرة محاصرة من قبل الجيش الياباني في شهر مارس عام 1944 بتقديم 20 ألف طن من الإمدادات أُسقطت كلها من الجو على الحدود مع الهند. وفي السنوات 1943-1945، أسقط الطيران الملكي البريطاني 615 ألف طن من الإمدادات على بورما.
البوسنة (1993)
تطورت الإسقاطات الجوية في تسعينات القرن العشرين، يوم استعملها الأميركيون والألمان والفرنسيون لمساعدة مسلمي شرق البوسنة. تمكن صرب البوسنة من مصادرة الكثير من المساعدات، ولكن الطيران الأميركي لم يستسلم يومها، وأسقط تسعة ملايين وجبة و144 طنا من المواد الطبية على القرى والبلدات، وعلى مخيمي اللاجئين في سربرينيتسا وغورازدي. وفي حرب يوغسلافيا (1992-1996)، كثرت عمليات الإسقاط الجوي في البوسنة والهرسك من قبل تحالف مكون من 21 دولة، حيث نُفذت أكثر من 12886 عملية جوية فوق سراييفو وحدها، أوصلت 159622 طنا من المساعدات الإنسانية إلى الأهالي.
أفغانستان (2001)
وقد لجأت الولايات المتحدة الأميركية مجددا إلى الإسقاط الجوي في أفغانستان، بعد خمسة أيام من انطلاق حربها على طالبان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001. أولى العمليات أسقطت 68880 حصة يومية من الطعام والدواء، واستمرت العمليات حتى بعد هزيمة طالبان، وذلك بسبب طبيعة الجبال الوعرة التي يصعب الوصول إليها. شهدت أفغانستان إسقاط 3.5 مليون رطل من الحمولة سنة 2006، وصلت إلى 60.4 مليون طن مع حلول عام 2010.
هايتي (2010)
في 20 يناير/كانون الثاني 2010، ضرب زلزال مدمر جزيرة هايتي، راح ضحيته ما بين 100-160 ألف شخص. لتجنب الفوضى العارمة في المطار وعلى الطرقات، بدأت الولايات المتحدة إسقاط المساعدات الجوية مجددا، على الرغم من تحذيرات وزير الدفاع في حينها روبرت غيتس، الذي حذر من خطورتها.
جنوب السودان (2014)
وعندما ضربت المجاعة جنوب السودان في مارس 2014، أسقطت المنظمات الإنسانية بدعم من برنامج الأمم المتحدة للغذاء المساعدات الإنسانية على البلاد.
سوريا (2016)
أولى الإسقاطات الجوية في سوريا لم تكن مساعدات بل منشورات ملونة صغيرة أسقطتها طائرات فرنسا الحرة على المدن سنة 1941، معلنة انتهاء الانتداب الفرنسي القائم منذ سنة 1920، مع اشتراط بقاء القوات الفرنسية على الأراضي السورية إلى حين انتهاء العمليات القتالية في أوروبا. حملت القصاصات الورقية توقيع الجنرال جورج كاترو، ممثل الجنرال شارل ديغول في سوريا ولبنان. بعدها بسبعة عقود ونيف، أسقطت الأمم المتحدة مساعدات إنسانية على مدينة دير الزور في فبراير/شباط 2016، أوصلت فيها 21 طنا من المواد، وكانت هذه العملية هي الأعلى ارتفاعا في تاريخ الإسقاطات الجوية، واستمرت طيلة 18 شهرا.