لا أحد من عشاق الأدب بمقدوره أن ينسى تلك الوقفة التأملية التي خلّدها ألبير كامو في مسرحيته الشهيرة "المستقيمون"، حين حاول كالياييف أن يعرّف الحبّ مخاطبا حبيبته "دورا": "هذا هو الحب، أن تعطي كل شيء وتضحي بكل شيء دون أمل في المقابل"، لتجيبه بيقين يشبه الشكّ: "ربما. إنه الحب المطلق، الفرح النقي والوحيد، إنه الذي يحرقني فعلا، لكنني أتساءل في بعض الأوقات عما إذا كان الحب شيئا آخر غير هذا. وما إذا كان يمكن أن يتوقف عن كونه مونولوغا، وإذا لم تكن هناك إجابة بخصوصه في بعض الأحيان".
حين يتماهى الحبّ مع الحياة
وقفة تأملية شبيهة في العمق أدرجها وحيد الطويلة في روايته الأحدث "الحبّ بمن حضر"، الصادرة أخيرا عن "دار بتانة" المصرية، دارت بين "موعود" و"بهجة"، إذ يسألها بكل براءة: "هو إيه الحب يا بهجة؟" فتجيبه بثقة: "الحب هو ما تفعله أنت بالضبط، تعجن الطين بحبٍّ، تقسو عليه قليلا وأنت تضعه في المستطيل ليصير قالبا صالحا، ثم حين ترميه في النار ترميه لا لأنك تكرهه، بل بالعكس لكي يصير قويّا صالحا لامعا يعيش مئات السنين، سعيدا بنفسه ويسبّب السعادة للآخرين، يظلِّل عليهم ويحميهم، أنت تمنحه حياته ولو بالنار لأنك تحبه، هل فهمت يا موعود؟"(ص75).
بالطبع سيلاحظ القارئ الاختلاف الجذري بين وجهتي نظر كلٍّ من كامو والطويلة بخصوص الحبّ، فالأوّل قدّم تعريفا عبثيا له فجعله اليقين الملتبس بالشكّ، مستعينا بذلك على شخصيتين مؤدلجتين نحتهما في مسرحيته بما يوافق فكره العبثي، الذي وإن حاول الانتصار للحب ظاهريا مثلما صرّح ذات مرة (رغم ما قد توحي به المظاهر، فإن الحبّ ظلّ أكبر انشغالاتي)، فإنه أرسى في الحقيقة عقيدة تقول بلا جدوى الحبّ ولا فائدة من العثور عليه، بل كل الفائدة في البحث المستمر عنه، على عكس الطويلة الذي رسم شخصيتين استحضرهما من الهامش، بلا خلفيات أيديولوجية تمنعهما من ممارسة الحياة، حياة تتماهى كما يظهر في النص مع الحبّ الذي جعله الكاتب الغاية الوحيدة من الوجود "الحب، أعزكم الله يا سادة، يبدأ من القمينة وينتهي بها، يبدأ وينتهي عند عاملها، الحب الحب، هو السر يا سادة، إن وجد وجدت، إن عاش عاشت، وإن اختفى تختفي البلدة كلها"(ص26).