جاء العام الماضي، 2023، حافلا سينمائيا في المملكة العربية السعودية، ليس على مستوى كمية الأفلام المعروضة محليا فحسب، بل أيضا في المشاركة في عدد من المهرجانات العالمية. وقد شهد الإنتاج السينمائي ارتفاعا ملحوظا وتطورا واضحا في قوته. فجاءت نوعية القصص التي روتها هذه الأفلام، وامتدادا للسنوات الأخيرة، متنوعة تضمّ مجموعة من الثيمات التي تنبع من رؤية حقيقية ومحسوسة.
وفي حين أن السينما السعودية لم تكن تعاني في السابق من انعدام رؤية صناعها، إلا أن المشكلة كانت تكمن في القدرة على ترجمة تلك الرؤية إلى الشاشة الكبيرة على نحو يسهّل تلقيها. وقد شهدنا تخطي هذه الصعوبات خلال السنوات الأخيرة، فقدم محمد السلمان فيلمه البارز، "أغنية الغراب"، وهو عمل سوريالي عن شاب يعيش قصة حب ويصارع مشاعر عدم الانتماء والوحدة. وصنع علي الكلثمي تجربة "مندوب الليل" عن شاب من الطبقة الكادحة يقتحم عالم الجريمة من طريق بيع الخمر. وقدم مشعل الجاسر عملا بصريا لافتا في "ناقة"، كما شاهدنا محاولات كوميدية فريدة في "سطار" و"راس براس". في طبيعة الحال، لا تقتصر التجارب السينمائية الأخيرة على هذه الأفلام، لكنها قطعا سيطرت على ساحة الحوار.
تراكم
لعل الميزة الأبرز بين هذه الأفلام، أن قصصها الفريدة تعبر عن نية مسبقة ومتراكمة في اقتحام عالم السينما، فهناك قدر كافٍ من التفاصيل والبناء المحكم للشخصيات يجعلنا نجزم بأن هذه المشاريع ليست وليدة اللحظة، بل أن صناعها استغرقوا زمنا طويلا في استلهامها والعمل عليها، كما أنها تتخطى بعض الخطوط الاجتماعية الحمراء وتستكشف أبعادا نادرا ما شاهدنا الأعمال الفنية السعودية تتجرأ على الاقتراب منها.