منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لحظة قيام حركة "حماس" بعملية "طوفان الأقصى" وبدء إسرائيل حربها الهمجية على غزة والفلسطينيين، ولبنان واللبنانيون يحبسون أنفاسهم بانتظار أن يقرر أمين عام "حزب الله" مصيرهم ومصير البلاد.
نحو شهر إلا بضعة أيام انتظر اللبنانيون خطاب حسن نصر الله الأول بعد بداية الحرب على غزة. عاش البلد حالة أضافت على عدم استقراره مزيدا من عدم الاستقرار. مسؤولون غير مسؤولين يتنصلون من أي مسؤولية ويصرحون بأن الأمر له وليس لنا. مدارس تغلق أبوابها بانتظار ما سيقول. دول تسحب رعاياها وأخرى تحذر مواطنيها. مواطنون يعيشون أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة يتسابقون لتأمين بعض من أدويتهم وبعض من الغذاء، خشية أن يقرر نصر الله إعلان الحرب.
ثمانية خطابات متلفزة منذ السابع من أكتوبر ألقاها نصر الله، يقول فيها إن حزبه انخرط منذ الثامن من أكتوبر في المعركة ضد إسرائيل لتخفيف الضغط عن غزة، ولكن ما من عاقل يقرأ الأرقام والوقائع جيدا إلا ويدرك أن ما يحصل بين إسرائيل و"حزب الله" لم ولن يخفف من عدوانية إسرائيل ضد الفلسطينيين.
"حزب الله" برهن عن "صبر استراتيجي" أشبه بصبر النظام السوري على الانتهاكات الإسرائيلية
يربط البعض بين الهدنة التي يتم التفاوض بشأنها بين إسرائيل و"حماس" والهدنة بين إسرائيل و"حزب الله"، كما ربط البعض سابقا بين التصعيد الإسرائيلي ونقله لعمليات الاغتيال لقادة من الحزب من سوريا حيث يوجد قادة من ميليشيا "حزب الله"، إلى الداخل اللبناني، بتوسيع رقعة الحرب، كما سبق وتيقن البعض الآخر أيضا أنه وبعد اغتيال نائب رئيس حركة "حماس" وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري، باستهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لمكاتب الحركة في عقر دار الحزب بالضاحية الجنوبية في بيروت، فإن الحزب لم يعد يملك خيارا سوى الحرب الشاملة، لكن الحزب برهن عن "صبر استراتيجي" أشبه بصبر النظام السوري على الانتهاكات الإسرائيلية منذ عشرات السنين، والتزم وحده بقواعد اشتباك يوسعها كل فينة وأخرى ليقول لجمهوره "نحن نقاوم".
كان واضحا من اللحظة الأولى لبدء الحرب على غزة أن كلا من الولايات المتحدة وإيران لا ترغبان في توسيع رقعة الحرب، وكان رهان "حزب الله" على الإدارة الأميركية بشكل أساسي مضافا إليه التخبط بشأن توسيع الحرب داخل الحكومة الإسرائيلية، فقرر المقامرة بحياة اللبنانيين عموما والجنوبيين خصوصا، مئات القتلى سقطوا نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، منهم مقاتلون وقادة في "حزب الله"، ومنهم مدنيون قضوا وكأنهم خسائر جانبية للعبة قمار قرر نصر الله الدخول فيها.
ومنذ بدء المعارك على جانبي الحدود بين إسرائيل و"حزب الله"، زار المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بيروت أكثر من مرة، وفي زيارته الأخيرة أكد أنه إذا تم التوصل إلى هدنة في غزة فليس من الضروري أن تمتد تلك الهدنة تلقائيا إلى لبنان. يدرك هوكشتاين أن أسباب الحرب الإسرائيلية على غزة ليست مرتبطة بالمعارك الدائرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، فهو الذي نجح عام 2022 بالتوسط والتوصل إلى اتفاق دبلوماسي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، يسعى اليوم إلى اتفاق دبلوماسي آخر بين الطرفين.
حكومة لبنان صارت متواطئة مع الخاطف حتى التماهي
وكما تم اتفاق ترسيم الحدود البحرية في الواقع بين "حزب الله" وإسرائيل ولعبت الحكومة اللبنانية يومها دور الوسيط بين الوسيط الأميركي والحزب، فالولايات المتحدة لا تزال تصنف "حزب الله" كمنظمة إرهابية وبالتالي لا يمكن أن تتفاوض معه مباشرة، وتجري اليوم المفاوضات بين إسرائيل و"حزب الله" للتوصل لتفاهمات نهائية تتعلق بالقرار 1701 والحدود البرية.
كل هذا والمؤسسات الرسمية اللبنانية، والحكومة برئيسها ووزرائها المعنيين يكتفون بدور الوسيط بين هوكشتاين من جهة و"حزب الله" من جهة ثانية، لكنهم وسيط غير محايد تماما كما الوسيط الأميركي، فكلما تعثرت المفاوضات خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو وزير خارجيته عبدالله بوحبيب مهددين ومتوعدين، لا لفرض شروط لبنان الدولة، ولا لضمان مصلحة اللبنانيين، بل خدمة للحاكم الفعلي للبنان حسن نصر الله.
لبنان رهينة منذ سنوات وليس من اليوم، لا رئيس جمهورية إلا من يريده الحزب وإلا فالفراغ، لا انتخابات إلا بالقانون الذي يريده الحزب وإلا فالتمديد. المفارقة اليوم أن حكومة لبنان صارت متواطئة مع الخاطف حتى التماهي، صارت أداة من أدوات الخطف، ولا يبدو أن الواقع سيتغير قريبا، فقد بات المواطن اللبناني أسير معارك ومفاوضات وتفاهمات العدوين وعاد لبنان مرة جديدة جائزة ترضية في حروب الآخرين.