ولا يعد استخدام الطائرات المسيرة جديدا في الصراع السوري. بل على العكس من ذلك، أصبحت سوريا ساحة اختبار لمختلف البلدان والجماعات المسلحة لتجربة تقنيات الطائرات المسيرة الجديدة. ووفقا لتقرير صادر عن منظمة بناء السلام الهولندية (باكس)، فإنه ومنذ عام 2011، استخدمت الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا وغيرها 39 نوعا مختلفا من الطائرات المسيرة.
وأدى هذا الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة إلى تحويل المجال الجوي السوري إلى مختبر لتطوير القدرات العسكرية، وتحسين تقنيات التصميم والإنتاج، واستكشاف كيف يمكن لاستخدام الطائرات المسيرة تعزيز التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية.
محليا، قامت الجماعات المتمردة، مثل "هيئة تحرير الشام"، بتكييف واستخدام الطائرات المسيرة في هجماتها ضد قوات النظام. وبالمثل، يستخدم النظام السوري الطائرات المسيرة منذ عام 2012، بداية لأغراض الاستطلاع والتجسس، وفي السنوات اللاحقة، بدأ النظام في الاعتماد على الطائرات المسيرة إيرانية الصنع، على الرغم من أن هذه التكنولوجيا ظلت محدودة إلى حد ما ومكلفة نسبيا.
وهكذا، اعتمد النظام السوري بشكل كبير على روسيا لتوفير الغطاء الجوي للميليشيات التابعة له. لكن قدرة موسكو على القيام بهذا الدور تضاءلت بشكل كبير بعد غزوها لأوكرانيا. ونظرا لمحدودية أداء مدفعية النظام شمال غربي سوريا، بما في ذلك عدم دقتها ومداها المحدود، أصبحت الحاجة إلى أسلحة بديلة واضحة بشكل كبير، بشكل خاص بسبب محدودية قدرة النظام على تنفيذ الغارات الجوية والتكاليف المرتفعة المرتبطة بها.
ونظرا للقيود المالية، يبدو أن النظام السوري لجأ إلى تطوير واستخدام الطائرات المسيرة الانتحارية كوسيلة فعالة من حيث التكلفة لمواصلة الضغط على مناطق شمال غربي سوريا. وفي حين استخدمت روسيا طائرات الكاميكازي المسيرة في أوكرانيا، إلا أن هذه الطائرات عادة ما تكون متطورة وقادرة على الطيران لمسافات طويلة والتسبب في أضرار جسيمة. أما النماذج مثل "شاهد-136"، الإيرانية الصنع، فتأتي بسعر باهظ، حيث تبلغ تكلفة كل منها نحو 200 ألف دولار.
وفي مواجهة قيود الميزانية، اتبع نظام الأسد خطى خصومه المتمردين من خلال المغامرة في تطوير طائرات مسيرة بدائية. وبسبب عدم وجود دعم جوي من الحلفاء وعدم القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، لجأت الجماعات المتمردة إلى تصنيع طائرات مسيرة خاصة بها. وعلى الرغم من الظروف المتباينة، يبدو أن الأسد اختار التعمق في المجال الوحيد الذي يتمتع فيه خصومه بالأفضلية: الطائرات المسيرة الانتحارية.
وبالإضافة إلى تعديل نماذج الطائرات المسيرة التجارية غير المكلفة، والتي يمكن أن تتراوح بين 1000 جنيه إسترليني إلى 2000 جنيه إسترليني، يبدو أن النظام غامر بتصنيع طائرات مسيرة بدائية وبأسعار معقولة. والجدير بالذكر أن الذخائر أو المتفجرات المستخدمة في هذه الطائرات المسيرة تصنّع محليا، مما يزيد من كفاءتها من حيث التكلفة.
وتتميز طائرات الكاميكازي المسيرة هذه بالمهارة في الطيران على ارتفاعات منخفضة وسرعات عالية، مما يوفر قدرة استثنائية على المناورة ويجعل من الصعب اكتشافها بواسطة أنظمة الرادار. كما أنها تمتلك القدرة على التسلل إلى الخنادق والتحصينات ونوافذ البناء، إضافة إلى خبرتها في إسقاط المتفجرات فوق قواعد معدات العدو. ويتوقف مدى قدرات هذه الطائرات والحمولات التي يمكنها حملها على مستوى تطورها.