باريس: إذا زرت الحيّ اللاتيني في باريس أو مشيت فيه، فإنّك ستشاهد على بعد خطوات من نهر السين كشك الحاج حسن قمصان الذي يقع في قلب الحيّ ويحتوي على أشياء قديمة يسميها "ذكريات مصرية" إلى جانب مقتنيات عدة جلبها من صالات المزاد.
ففي الكشك نجد صورا لكل ما يتعلّق بجوانب الفن والحياة المصرية، من الغناء والسينما، إلى السياسة والدين، فهناك صور لأم كلثوم وليلى مراد وعمر الشريف ورشدي أباظة ولممثلين سينمائيين فرنسيين وأميركيين، وصور لجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وعبد الباسط عبد الصمد ومحمد متولي الشعراوي وخطوط لآيات قرآنية. إضافة إلى ملصقات أفلام لا يعرضها، مثل الكثير من الصور، إلا حين تُطلب منه بسبب ضيق مساحة الكشك.
تعرض على حاملات دائرية بطاقات بريدية قديمة فيها صور أمكنة ومدن من مختلف أنحاء العالم، وعليها كُتبت الكلمات التذكارية لعائلات وأصدقاء ومحبين. إضافة إلى كاميرات قديمة تعود إلى أكثر من مئة سنة يأتي لشرائها هواة اقتناء الأشياء القديمة. أحدهم اشترى أمامنا واحدة صُنعت في عام 1910، وقال إنّه سائح من كندا ويعمل في التصوير. بعدما دفع قيمة الكاميرا أعطاه قمصان كاميرا أخرى هدية. استغرب المشتري ودفع له قيمة الكاميرا الثانية. وهنا ناوله قمصان كاميرا ثالثة، قائلا إنّ الهدية لم تحسب، وبسبب أسلوبه الترحيبي هذا قد تجد في جواره فتاة سائحة طلب منها قمصان أن تجلس وتحتسي شيئا من الشراب.
في الكشك صور لكل ما يتعلّق بجوانب الفن والحياة المصرية، من الغناء والسينما، إلى السياسة والدين
يلاحظ في سلوك قمصان الكثير من سلوك الكرم العربي والتعامل البسيط الذي يميز أهل مصر، مع هذا حين سألته إذا كان العرب يأتون لاقتناء أشياء منه قال "لا، هؤلاء لا يشترون ويبقون يساومون في الثمن كثيرا، مع أن الأسعار ليست مرتفعة، هم يذهبون بأموالهم إلى أماكن أخرى، وأكثر ما يسألونني عن أماكن الكباريهات...". ويعتقد أن هناك سياحا من 180 دولة يأتون إلى باريس ويقتنون الأشياء التي تعجبهم.
دلال ونصيبيان
أسأل قمصان (1954) عن حاله مع بلدية باريس والضرائب وخلافه، فيجيب بارتياح كامل عن حاله، إذ تغيب في كلماته عبارات الشكوى التي عادة ما نسمعها من بعض العرب الذين يسكنون باريس. ففرنسا التي حصل على جنسيتها "دائما في حال ازدهار وبالذات أيّام ميتران وشيراك، لكن بدأ بعض التدهور مع مجيء الرئيس ساركوزي" حسب قوله.
مع هذا يقول إنّ بلدية الدائرة الخامسة اعترضت قبل سنوات على بيعه الكتب القديمة، حيث بدأ العمل في الكشك قبل أربعة عشر عاما، ومنذ أن جاء إلى باريس قبل 41 سنة عمل في مهن أخرى، حيث امتلك ثلاثة مطاعم، ثم باعها بعدما "ملّ منها" كما يقول، إذ كان عليه أن يظل واقفا على رجليه لمدة 11 سنة. وفي مصر أثناء دراسته في سبعينات القرن الماضي كان يعمل مع أبيه في ديكورات وإضاءة السينما، وجمع بين الدراسة وذهابه إلى استوديوهات دلال ونصيبيان في القاهرة لأداء أدوار "البديل" الذي يُضرب، حسب تعبيره، وربما كانت تلك بداية تعلّقه بهذا الفن الذي يعرف تفاصيل تاريخه.
جاء صوفان إلى فرنسا للسياحة بعد تخرّجه في المعهد التجاري قسم الكومبيوتر في القاهرة وأدائه الخدمة العسكرية، فاستهواه هذا البلد، حيث تزوّج فيه وأنجب ابنتين وولدا قبل أن ينفصل عن زوجته الفرنسية، فيما بقية عائلته لا تزال في مصر التي يزورها بين وقت وآخر، إضافة إلى ذهابه أخيرا للحج في مكة المكرّمة.
يجلب قمصان المواد المبيعة من صالات المزاد في فرنسا بما في ذلك الأشياء العربية، ويقول إنّه من الصعب جلب أي شيء من مصر، فالكاميرا القديمة هنا يمكن أن يشتريها بثلاثين يورو، أي ما يعادل 1200 جنيه، في حين لو وجدها في مصر فسيقولون إن قيمتها عشرة آلاف جنيه وإنها نادرة.
وكانت بلدية باريس قد سعت إلى تجديد أكشاك الصحف التي يعود تاريخها إلى أكثر من 160 عاما لتتناسب مع المتغيرات المناخية ولتلبي احتياجات أخرى، وسط احتجاجات مستأجري الأكشاك، لكن كشك البائع المصري بقي على حاله.
كتب ونبيذ
شهد حي سان ميشال، أو الحي اللاتيني، الكثير من المتغيرات، فإذ بقيت مباني السوربون والبانتيون (مقبرة العظماء) على حالهما، وكذلك مكتبة شكسبير ودار السينما القديمة التي تعرض أفلاما لها وجهة مختلفة، مثل فيلم "يلاّ غزّة"، فإن هناك الكثير من المعالم قد اختفت، وأبرزها مكتبةجيبار جون (GIBERT JEUNE) التاريخية التي أُغلقت قبل ثلاث سنوات بعدما بقيت خلال 135 عاما أحد معالم الحي بطوابقها الخمسة، وتحولت إلى مبنى لبيع النبيذ، بعذر ارتفاع تكاليف الإيجارات وتراجع بيع الكتب، مع أنها كانت في حال عمل لا يهدأ وكان مرتاد المكتبة يقف في طابور حتى يستطيع تسديد ثمن ما اقتناه. وامتازت المكتبة بوجود أقسام للأدب المترجم الى الفرنسية من مختلف اللغات ومنها العربية.
وهناك مطعم مصري أُغلق اعتاد الروائي إبراهيم عبد المجيد أن يذهب إليه كلما جاء إلى باريس، وعلى ضفاف السين يلتقط السيّاح صورهم التذكارية من بعيد مع كاتدرائية نوتردام بعد تعرّضها للحريق قبل خمس سنوات، على أمل أن ينتهي ترميمها خلال هذا العام.
صار الباريسيون في حال تأهب لاستقبال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في 26 يوليو/تموز المقبل الذي يتوقع أن يحضره مئات الآلاف
وكانت السلطات الفرنسية قد تراجعت عن خطّة إزالة أكشاك بيع الكتب القديمة المحيطة بنهر السين (وهي غير أكشاك بيع الصحف)، ونقلها مؤقتا إلى ساحة الباستيل خلال فترة الألعاب الأولمبية لتخوفات أمنية، إذ كانت الشرطة تخشى من إخفاء عبوات ناسفة فيها. وقد طلب الرئيس ماكرون من وزارة الداخلية تعديل الخطط الأمنية وعدم إجبار أصحاب الأكشاك على الانتقال.
وتعد الأكشاك البالغ عددها 570 كشكا من معالم باريس التاريخية حيث يرجع وجودها إلى 150 سنة، وتمتاز بشكلها الحديدي ولونها الأخضر الداكن. ويقوم مستأجرو الأكشاك ببيع الكتب في طبعات قديمة إضافة إلى نسخ وصور من صحف ومجلات قديمة، وبعض الصور الكاريكاتورية والسياحية، وعادة ما يتحدّث أصحاب الأكشاك عن تراجع اهتمام السيّاح بما يقدّمونه، ويأملون أن ينتعش السوق مع العاب الأولمبياد.
وصار الباريسيون في حال تأهب لاستقبال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في 26 يوليو/تموز المقبل الذي يتوقع أن يحضره مئات الآلاف من مختلف أنحاء العالم. وفي الأسبوع الماضي دشن الرئيس الفرنسي قرية الألعاب الأولمبية في ضاحية سان دوني الباريسية التي "تستوعب 15 ألف رياضي سيمكثون فيها طوال مدة المسابقة".
ويضم الموقع، حسب بيانات القرية، نحو 40 مبنى من الأبراج المنخفضة الارتفاع، وتتضمن مطعما مفتوحا على مدار 24 ساعة وحانة للمشروبات الخالية من الكحول ومنطقة ترفيهية، فضلا عن مرافق التدريب.
ويتوقع أن يباع ثلث الشقق بعد الألعاب الأولمبية والبارالمبية والبالغ عددها 2800 لأصحاب المنازل الخاصة، فيما يستخدم منها الثلث للإسكان العام، والثلث الباقي سيكون للإيجار.