بدأ مشروع فيلم المخرج الألماني المخضرم فيم فندرز الأخير، مرشح اليابان لجائزة أفضل فيلم أجنبي في أوسكار 2024، كفيلم تسجيلي دعائي قصير، حيث دعي فندرز إلى طوكيو، بعد جائحة كوفيد 19، لتصوير فيلم قصير عن مشروع مراحيض عامة جديد، تتمتع بميزة فنية عالية، وتنتشر في أرجاء مدينة طوكيو، لكن صاحب "أليس في المدينة" و"أجنحة الرغبة" و"الصديق الأميركي"، قرر بعد تلك الزيارة أن ينجز فيلما روائيا طويلا، مع تلك المراحيض في الخلفية، لتكون النتيجة ربما واحدا من أفضل الأفلام في مسيرته السينمائية، وأحد أنجح تجارب الإنتاج المشترك (اليابان – ألمانيا) منذ سنوات.
لا نعرف إن كانت العزلة التي فرضتها جائحة كوفيد19، على جميع سكان الكوكب، هي القوة الدافعة وراء "أيام مثالية" (2023)، لكنها بالتأكيد لا تغيب عن البال، ونحن نشاهد شخصية عامل تنظيفات المراحيض العامة المسن هاروياما، يؤدي دوره نجم السينما اليابانية كوجي ياكوشو، باقتدار أكسبه جائزة أفضل ممثل في "كان السينمائي"، وهو يمضي أيامه وحيدا، بين روتين عمله الذي يصل حد الكمال في تنظيف المراحيض العامة، وبين مسكنه المتواضع، وموسيقاه وكتبه، وبعض الشخصيات العابرة في يومياته المتكررة. أيضا، لم يغب عن بالي خلال ساعتين تقريبا، وهي مدة الفيلم، جماليات سيد التقشف السينمائي، في اليابان والعالم، ياسوجيرو أوزو (1903-1963)، وإن ليس في رائعته "قصة طوكيو"، بل في سلسلة أفلامه شبه الريفية مثل "أول الصيف" و"آخر الخريف" و"بعد ظهيرة خريفية" و"صباح الخير"، حيث يبدو أن لا شيء يحدث فعلياً، مع الحد الأدنى من الحوارات، وأقل منها من الميلودراما، بل فقط شخصيات تمضي بهدوء في حياتها اليومية، حيث حتى المنعطفات المصيرية في حياتها، تقع بصمت وهدوء كأنها قدر سبق لها تقبله. للمصادفة، فقد رأينا المخرج الفنلندي أكي كواريسماكي يوجه (كعادته) تحية خفية أيضا إلى أوزو في فيلمه الدافئ، "أوراق منجرفة" (2023) الذي كان حاضرا أيضا في دورة مهرجان كان السينمائي الأخيرة.