الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط وقواعد الاشتباك الأميركية
لا تزال بكين في طور بناء القدرات لتطوير انتشارها في الخارج
الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط وقواعد الاشتباك الأميركية
بيروت- لقد أدت "مبادرة الحزام والطريق" التي أُطلقت في سبتمبر/أيلول 2013 إلى تركيز الاهتمام العالمي على مشاريع تطوير البنية التحتية الصينية في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط وغرب المحيط الهندي، مما مهد الطريق لضخ الاستثمارات في عدد كبير من مشاريع السكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة. وأصبحت الصين منذ عام 2020 الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي إذ بلغ إجمالي التجارة بينهما 912.6 مليار دولار عام 2022، فيما تخطت علاقاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي حدود النفط والتجارة، فقد شكلا معا نحو 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد بلغ إجمالي التجارة بينهما 505 مليارات دولار عام 2022 إلى جانب استثمارات عديدة في مجالات بناء مجمعات عالية التقنية والتحول نحو قطاعات اقتصادية جديدة.من جهة أخرى، تستثمر الشركات الصينية في الموانئ والبنى التحتية في عمان والإمارات العربية المتحدة. وقد أثار منح هذه الشركات حقوق التصميم والبناء والإدارة الحصرية لمدة 35 عاما، وإضافة عشرات الأبنية المساعدة بميناء خليفة في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب ملكيتها لحصة في محطة تخزين الوقود في ميناء الفجيرة بالبلاد على بعد حوالي 100 ميل إلى الشرق، والاستثمار في ميناء الدقم في عمان، أثار القلق من تنامي القوة الصينية في المنطقة.
تعمل الصين على مراقبة الممرات البحرية المهمة وحماية مصالحها السياسية والاقتصادية خارج شرق آسيا
ويشكل الوجود الصيني بالقرب من مضيق هرمز، أحد الممرات الرئيسة لشحنات النفط في العالم، خطوة يمكن أن تؤسس لتمركز السفن البحرية الصينية في المضيق بشكل دائم كما يمكن أن تؤدي لوجود عسكري في المستقبل مما يزيد من مخاطر الصدام المستقبلي مع المصالح الأميركية.
العقيدة العسكرية في خدمة المصالح الصينية
اكتسبت "مبادرة الحزام والطريق" بعد مرور أكثر من عشر سنوات أبعادا جديدة بما يتجاوز بناء الموانئ ومحطات الطاقة والسكك الحديدية والطرق، إذ تمكنت بكين من تعزيز حضورها الدبلوماسي والعسكري والإعلامي والاقتصادي في المنطقة الأكثر أهمية بين أوروبا وآسيا وأفريقيا التي تعبر ممراتها البحرية سلاسل التوريد وناقلات النفط والغاز، مما يضع المصالح الصينية أمام جملة من التهديدات لا سيما فيما يتعلق بأمن الممرات المائية وعمليات القرصنة إلى جانب التحديات التي فرضها دخول الصين ميدان المنافسة الاقتصادية والعسكرية في المنطقة.
تعمل جمهورية الصين الشعبية على تطوير قوة بحرية قادرة على إدارة الممرات المائية المجاورة لها ومراقبة الممرات البحرية المهمة، وحماية مصالحها السياسية والاقتصادية خارج شرق آسيا. والمبدأ الجديد المعتمد هو مبدأ "الدفاع النشط" الذي يعرف وفقا للاستراتيجية الصينية التي صدرت في عام 2015، بأنه "الالتزام بمبادئ الدفاع، والدفاع عن النفس، والضربة اللاحقة"، والالتزام بالموقف القائل: "لن نهاجم إلا إذا تعرضنا للهجوم، ولكننا بالتأكيد سنهاجم إذا تعرضنا للهجوم".
عززت الصين وجودها البحري في الشرق الأوسط بشكل مطرد منذ عام 2008
ووفقا لهذه العقيدة، يلتزم "جيش التحرير الشعبي" بمنع الحرب وإدارة الأزمات وذلك بتحقيق التوازن بين الإعداد للحرب ومنع الحرب، وحماية الحقوق والحفاظ على الاستقرار، وتوظيف القوات العسكرية في وقت السلم. تحدد العقيدة أيضا مهام "جيش التحرير الشعبي" بالاستعداد لما يسمى "العمليات العسكرية غير الحربية". وتتخذ عقيدة 2014 موقفا حازما ومعتمدا على الذات فيما يتصل بالمصالح البحرية والإقليمية القريبة للصين. وعندما يتعلق الأمر بمصالح الصين الخارجية، فإن المبدأ التوجيهي الاستراتيجي يؤكد على "التعاون الأمني الدولي" للحفاظ على هذه المصالح. وهذا يدل على أن الصين لا تزال تستعد لبناء القدرة على القيام بعمليات عسكرية في الخارج. ومع ذلك، تظل الأولوية القصوى هي الاستعداد للحروب المحلية التي ستخوضها في محيطها. ويمكن مع تزايد قدرة الصين على استعراض القوة في العقود المقبلة أن يعمل "جيش التحرير الشعبي" الصيني على تطوير عقائد عسكرية لخوض الحروب في مناطق أخرى غير جنوب شرقي آسيا.
تطور الوجود العسكري في الشرق الأوسط
عززت الصين وجودها البحري في الشرق الأوسط بشكل مطرد منذ إرسالها أول فرقة عمل للمواكبة البحرية إلى خليج عدن عام 2008 وهو العام الذي أطلقت فيه بكين أول مهمة بحرية حديثة لها في الخارج، والذي شهد نشر ثلاث سفن حربية تابعة لـ"بحرية جيش التحرير الشعبي" في خليج عدن لمكافحة القرصنة. ومنذ ذلك التاريخ، أطلقت "بحرية جيش التحرير الشعبي" اثنتين وأربعين فرقة عمل مواكبة بحرية على الرغم من التراجع السريع للهجمات التي استهدفت النقل البحري بحلول عام 2015.
وفي هذا السياق، تضمنت فرقة العمل التي تم نشرها عام 2010 سفينة إنزال من طراز "يوجاو"، وهي سفينة مصممة للهجوم البرمائي وليس لمطاردة القراصنة. وفي عام 2014، أرسلت "بحرية جيش التحرير الشعبي" غواصة هجومية تعمل بالديزل والكهرباء من طراز "سونغ" للقيام بدوريات في شرق المحيط الهندي، وكان ذلك بمثابة امتحان هام لقدرة الصين على إبراز قوتها بعيدا عن شواطئها. وعلى الرغم من أن "بحرية جيش التحرير الشعبي" لا تزال على هامش التحالفات الدولية لمكافحة القرصنة، فإنها أجرت مناورات بحرية مع دول مثل إيران وباكستان وروسيا.
ووفقا لما ذكره موقع الجيش الصيني، فقد تطور قوام القوة البحرية الصينية الرابعة والأربعين ليضم مدمرة الصواريخ الموجهة "زيبو"، وفرقاطة الصواريخ الموجهة "جينغتشو"، وسفينة التجديد الشامل "تشيانداوهو" التي قامت بزيارة إلى ميناء الشويخ بالكويت صباح يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لمدة خمس ساعات. كما كشفت "بحرية جيش التحرير الشعبي" الصيني أن قوام قوة المواكبة البحرية الصينية الخامسة والأربعين يتضمن مدمرة الصواريخ الموجهة "أورومتشي" وفرقاطة الصواريخ الموجهة "ليني" وسفينة التجديد الشامل "دونغبينغهو". وقد بدا كل ذلك في معرض استعراض القوة الذي يتجاوز حدود المهمة.
إنشاء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي بمثابة حدث تاريخي
وفي غضون ذلك، أنشأ "جيش التحرير الشعبي" الصيني أول قاعدة خارجية له في جيبوتي عام 2017، وقد وصفتها بكين بأنها منشأة لوجستية تدعم مهام مكافحة القرصنة، إلا أنها أقرت في وقت لاحق أنها منشأة دعم عسكري، و"نقطة قوة استراتيجية". فبالإضافة إلى احتواء هذه القاعدة على معدات جمع المعلومات الاستخبارية، تم توسيعها لاستيعاب حاملات الطائرات وسفن هجومية برمائية، وهي قدرات غير ضرورية لمكافحة القرصنة، الأمر الذي يعزز فرضية وجود هدف استراتيجي أبعد من مكافحة القرصنة.
هذا وقد أرسلت "بحرية جيش التحرير الشعبي" سفنا إلى إيران والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية، لتوطيد علاقاتها مع القوات البحرية الإقليمية من خلال إجراء تدريبات مع عدد من الدول بما فيها شركاء واشنطن. وارتبطت تلك الزيارات بتعزيز الاهتمام الإقليمي بـ"مبادرة الحزام والطريق" وتسهيل الصفقات التجارية الكبيرة، وتنفيذ المشاريع التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية البحرية لدول متعددة في الخليج.
وفي خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وصل عدد السفن الحربية الصينية في الشرق الأوسط بداية الشهر الحالي إلى ست سفن. فوفقا لبيان صادر عن وزارة الدفاع الصينية تقوم فرقة العمل البحرية الرابعة والأربعين بعمليات منتظمة في المنطقة منذ مايو/أيار، وقد أنهت تدريبا مشتركا مع البحرية العمانية خلال زيارة لعمان لتبدأ بعدها زيارة ودية إلى الكويت حيث رست السفن الحربية التابعة لها، وتضم مدمرة صواريخ موجهة وفرقاطة وسفينة إمداد.
الصين ومفهوم نقاط القوة الاستراتيجية
كان إنشاء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي بمثابة حدث تاريخي أثار مجموعة كاملة من الأسئلة لدول المحيطين الهندي والهادئ: هل ستكون جيبوتي هي المقدمة لقواعد أخرى؟ وأين ستبنى؟ وما الاستراتيجية العسكرية التي ستعتمدها بكين لإبراز قوتها العسكرية في الخارج في ضوء مصطلح "النقطة القوية الاستراتيجية" الذي تبناه المفكرون العسكريون الصينيون؟
تركز بكين بشكل واضح على المحيط الهندي، الذي تمتد عبره أهم خطوط الاتصال
يحدد علم الاستراتيجية العسكرية نقاط القوة الاستراتيجية بأنها مواقع "توفر الدعم للعمليات العسكرية في الخارج، أو تعمل كقاعدة أمامية لنشر القوات في الخارج". ولهذا أُطلق على المنشأة الجديدة في جيبوتي اسم "نقطة القوة الاستراتيجية الخارجية الأولى". طبعا لا ينطبق هذا المصطلح على القواعد الصينية فقط، فالقواعد الأميركية في المحيط الهادئ والمحيط الهندي توصف بأنها نقاط قوة استراتيجية، و"بيرل هاربر" يعتبر "نقطة قوة استراتيجية في الدفاع المتقدم عن أميركا"، والتي من دونها ستقتصر خطوطها الدفاعية على حدود الوطن، كما يعتبر آخرون جزيرتي "دييغو غارسيا"، و"غوام" نقطتي قوة استراتيجيتين حاسمتين لواشنطن.
هل تحتاج الصين إلى المزيد من نقاط القوة الاستراتيجية؟
يتمحور دور نقاط القوة الاستراتيجية على تحسين قدرة الجيش الصيني على العمل في الخارج، حيث تؤدي هذه النقاط وظيفتين أساسيتين: الأولى حماية خطوط الاتصال البحرية الصينية. والثانية حماية مصالح الصين الخارجية، وكلتاهما تتطلب وجودا متقدما في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ. وبهذا فإن توسيع النطاق الجغرافي للعمليات البحرية يتطلب إنشاء نقاط جديدة، و"أشكالا مختلفة من الوجود المحدود للقوات". كما أن إنشاء الكثير من نقاط القوة الاستراتيجية بالقرب من مناطق الأزمات هو جزء لا يتجزأ من ضمان الاستخدام المستدام والفعال للقوات في هذه الأدوار.
تركز بكين بشكل واضح على المحيط الهندي، الذي تمتد عبره أهم خطوط الاتصال ويطلق عليه توصيف "شريان الحياة" للصين، ويمتد من البر الرئيس عبر بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا إلى المحيط الهندي حتى قاعدة جيبوتي، وهي أول نقطة قوة استراتيجية خارجية للصين. يتبع طريق الحرير البحري شريان الحياة للصين عبر المحيط الهندي، ويربط موانئ الكثير من الدول على طول هذا الطريق، حيث يُشار إلى هذه الموانئ على أنها نقاط مهمة لبناء طريق الحرير البحري، وكثيرا ما يُستشهد بميناءي جوادار (باكستان) وهامبانتوتا (سريلانكا) كمرشحين ليصبحا نقاط قوة استراتيجية في المستقبل. ويتمتع جوادار بوضع جيد يسمح له بتغطية مضيق هرمز، وهو ممر رئيس لواردات الطاقة الصينية، في حين توفر هامبانتوتا نقطة عبور ممتازة في منتصف المحيط الهندي للتجديد والإصلاح والرسو.
الانتشار العسكري وحتمية التوسع
في ضوء الطموح الصيني نحو المزيد من تطوير المصالح الاستراتيجية الاقتصادية والدبلوماسية تبدو احتمالات تقلص الوجود الإقليمي لـ"بحرية جيش التحرير الشعبي" مستبعدة على المدى القريب، في الوقت الذي تدفع فيه بكين بتطوير علاقاتها مع دول المنطقة. فتوسيع الصين لمنشأة جيبوتي وسعيها إلى إنشاء قواعد جديدة في أفريقيا وباكستان والخليج العربي يشيران إلى اهتمامها بالإبقاء على أعداد أكبر من السفن الكبيرة في المنطقة. كما أن استخدام القاعدة في عمليات الإخلاء الدورية لغير المقاتلين وإنقاذ المدنيين الأجانب من مناطق النزاع إلى جانب المواطنين الصينيين التي تقوم بها "بحرية جيش التحرير الشعبي" يُعد سببا كافيا للحفاظ عليها. وفيما تستمر القوة البحرية للصين ومصالحها الاقتصادية العالمية في التوسع، يصبح قادتها أكثر إدراكا لقيمة تمركز القوات في الدول الصديقة والمهمة من الناحية الجيوستراتيجية.
تطورات العقد المقبل ستفرض تغييرات كبيرة على التوازن البحري في الخليج العربي والمياه المحيطة
تقضي الواقعية أن تحافظ "بحرية جيش التحرير الشعبي" على الصيغة الحالية لفرق العمل الحالية المؤلفة من ثلاث سفن في الشرق الأوسط والمستمرة منذ خمسة عشر عاما، مع إعطاء الأولوية لعمليات الانتشار البحري في جنوب شرقي آسيا وجنوبي المحيط الهادئ. ولكن قد تدفع بعض الظروف الطارئة ومنها التهديدات الأمنية للمواطنين الصينيين في باكستان، واستثمارات البنى التحتية في أفريقيا، والعلاقات الاقتصادية المتنامية مع دول الخليج بـ"جيش التحرير الشعبي" إلى تطوير انتشاره بشكل أكبر. إذ تدرك دول الخليج العربي أن عصر النفط والغاز لديه عمر افتراضي وهي حريصة على دفع الدعم الصيني نحو التحولات الاقتصادية الخاصة بها، لا سيما في البنية التحتية للاتصالات نظرا لريادة الصين العالمية في تنفيذ شبكات الجيل الخامس وأبحاث الجيل السادس. وبالتالي، يصبح توسيع حجم الانتشار هو السيناريو الأكثر ترجيحا إلى حد كبير.
وفي المقابل، فإن وجود الصين المتزايد في مرافق الموانئ الإقليمية وحيازة الشركات الصينية المملوكة للدولة لامتيازات تطوير وتشغيل المحطات والمرافق في ستة موانئ تجارية في باكستان ومصر وسريلانكا والإمارات العربية المتحدة وجيبوتي يثير تساؤلات حول قواعد التعايش وطرق التعامل مع البحرية الأميركية في المرافق التي تديرها الشركات الصينية، خاصة في جيبوتي.
التقييدات على الانتشار الصيني وقواعد الاشتباك الأميركية
لا شك أن العامل الخارج عن السيطرة الذي قد يفرض تغييرا جذريا على الانتشار الإقليمي لـبحرية "جيش التحرير الشعبي" يكمن في نشوب نزاع بين الصين والولايات المتحدة أو أي قوة بحرية أخرى. يُجمع المراقبون أن تطورات العقد المقبل ستفرض تغييرات كبيرة على التوازن البحري في الخليج العربي والمياه المحيطة، ففي الوقت الذي عادت فيه القوات الأميركية إلى المنطقة لا سيما بعد الحرب في غزة والاعتداءات على السفن التجارية في البحر الأحمر، تعزز البحرية الصينية انتشارها وتتوسع في البحار البعيدة ويتوق الشركاء الاقتصاديون والأمنيون التقليديون للولايات المتحدة إلى توطيد علاقاتهم مع أسواق الصين وشراء معداتها الدفاعية. وهذا يعني أن التعايش الأميركي مع نفوذ بكين المتنامي على الجانب الغربي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ يتطلب دبلوماسية بارعة من قبل واشنطن. بالإضافة إلى ذلك، سيتوجب على "البحرية الأميركية" الاستعداد لبيئة العمليات المتغيرة ومحاولة التطبيع في العمل إلى جانب بحرية "جيش التحرير الشعبي" في المياه الإقليمية.
إن معظم دول الشرق الأوسط غير مهتمة باختيار أحد الجانبين في المنافسة الآخذة في التوسع بين الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن تسعى الدول العربية على وجه الخصوص للحصول على أقصى فائدة من العلاقة مع الدولتين دون إثارة حفيظة أي منهما. وفي هذا الإطار ترجع لواشنطن إعادة توصيف علاقاتها مع الشركاء التقليديين بما يتلاءم مع تطور العلاقات الجديدة مع بحرية "جيش التحرير الشعبي" وتجنب وضع الشركاء أمام استحقاق "اختيار أحد الجانبين".
من جهة أخرى، يتعين على بكين موازنة علاقاتها مع الشركاء العرب وإيران. ففيما تعود علاقة بكين الدفاعية مع طهران إلى عقود، فإن العلاقات الاقتصادية مع السعودية والإمارات ودول مماثلة من شأنها أن تدر على الصين أرباحا أكثر بكثير من أي شيء يمكن أن تقدمه إيران، مما يعني أن عدم إدارة وفهم التوقعات بين طهران والعرب قد يؤدي إلى حدوث خلافات عميقة. فقد أظهرت الرياض فعليا استعدادها لاتخاذ إجراءات ضد القوى العظمى التي تشارك بشكل وثيق مع إيران (على سبيل المثال، التصويت لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة).
لا تزال الصين في طور بناء القدرات لتطوير انتشارها العسكري في الخارج، فإلى جانب تطوير علاقاتها الاستراتيجية وشراكاتها تعمل الصين أيضا على تطوير جودة أنظمة الأسلحة البحرية الخاصة بها. ومع ذلك يمكن القول إن الأولوية القصوى للصين في المرحلة الراهنة تبقى للصراعات المحلية في محيطها ويبقى احتمال خوض حروب مستقبلية في الشرق الأوسط رهنا بتحقيق تفوق عسكري لعقود مقبلة وتطوير عقائد عسكرية جديدة لخوض حروب جديدة.