لا يمكن إنكار الأسلوب اللافت لمجموع الومضات القصصية للمصري طارق إمام في مجموعته الأحدث، "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها"، الصادرة عن "دار الشروق" المصرية، الذي يجعل مهمّة استيعابها صعبة على الرغم من يسر سرده وجلاء لغته وجمالها. فأقاصيص إمام سيقت على نحوٍ يستعصي على الموضوعية النقدية الصارمة، لخروج معظمها عن النمطية القصصية المتعارف عليها، عربيا بشكل خاص، واعتمادها نطقا يبدو للوهلة الأولى يخاطب الذاتية الصرفة للقارئ، لكنه في الحقيقة يعمل على محاصرتها. إننا أمام عملٍ يضرب بالحائط بلا شك ادعاء فرنسيس بيكون حين قال إن"أعظم مورد لدينا، الذي يجب أن نأمل كل شيء فيه، هو التحالف الضيق بين هاتين القدرتين: التجريب والعقلانية، اتحاد لم يتم بعد"، لأن هذه الأقاصيص أعملت هذا الاتحاد على نحو موغل في الحيلة الإبداعية.
اشتملت هذه المجموعة على 128 أقصوصة، أحبَّ الناشر أن يصفها بالومضة على عدّ التكثيف اللغوي لمعظم القصص المتضمّنة في هذا العمل، وكذا احترامها لجميع معايير القصة-الومضة الأخرى، خاصة المباغتة واعتمادها على اللامتوقّع. لكنّ عمل إمام على الرغم من انفصال أقاصيصه من حيث المواضيع والعنونة، جاء في كتلة واحدة، وكأنه رواية بفصول متعددة.
صورة الزمن
لعلّ هذا ما دفعه في أكثر من مقابلة صحافية إلى أن يصرّ على وصف مجموعته القصصية بالكتاب، فقد منح قصصه زمانا ومكانا وقاطع بينها مستندا الى العنونة وأيضا الى السياق المشترك بينها، لكنه في المقابل لم يُماهِ الزمن مع التأريخ، وبالتالي مع الخطّ الزمني الذي يشتغل النقد عليه في العادة كبوصلة يُموقع النص استنادا اليها، بل وظف الكاتب الزمن في صورة تظهره في أكثر تجليّاته وجدانية وتجعل منه ظاهرة لا كمّية غير خاضعة للتجريب، بل ذاتية ترتبط بالإدراك البشري لها، وهو ما يبرّر صورة الزمن الذي يصقله العقل البشري على الرغم من لا نهائيته على نحوٍ أقل تعقيدا مما هو عليه في الحقيقة، محدودا يبدأ بالميلاد وينتهي بالموت.