تعد المرجعية الرمز الديني الأعلى لدى الشيعة الإمامية في زمن الغيبة الكبرى (غيبة الإمام الثاني عشر) لما تمثله لهم من عمق عقائدي، لذا نجد أن جميع ما يصدر عن المرجعية الدينية يكون لزاما على مقلديها الامتثال له والعمل به، وهذا ما يدل على قوة تأثيرها على أتباعها ومقلديها.
ولعبت المرجعية الدينية في العراق منذ تأسيسها حتى وقتنا الراهن أدوارا مختلفة، ولم يكن دورها قاصرا على الجانب الشرعي فقط، بل كان لها دور على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي لما تشكله من عمق وثقل في الأوساط الشيعية.
وساهم سقوط نظام صدام حسين عام 2003 في زيادة وتأثير دور المرجعية الدينية في السياسة العراقية، وذلك بسبب تحقيق الاستقرار السياسي للمرجعية واختفاء ملاحقة مراجع الدين وفرض الإقامة الجبرية عليهم واغتيالهم من قبل الحكومات العراقية السابقة.
لقد أدى انهيار مؤسسات الدولة الرسمية والتحديات السياسية والاجتماعية والأمنية التي عانى منها العراق في تلك الفترة إلى بروز الدور السياسي للمرجعية، بالإضافة إلى غياب شخصية قيادية ومؤثرة على الساحة السياسية العراقية من العوامل التي زادت من فعالية المرجعية الدينية التي كان لها دور كبير في إرساء الديمقراطية العراقية من خلال سن دستور للعراق وإقامة انتخابات مبكرة تعد الأولى من نوعها في العراق للتخلص من سلطة الاحتلال الأجنبي.
عوامل داخلية وخارجية
يعد شكل النظام السياسي بعد عام 2003 من أهم العوامل التي منحت المرجعية مساحةً ودورا أكبر في الظهور على الساحة السياسية وذلك بسبب ضعف النظام السياسي العراقي الذي أتاح للمرجعية التدخل والتأثير في الكثير من القضايا السياسية، عكس الحكومات العراقية السابقة التي اتسمت بالقوة والسلطوية مما أدى إلى تضاؤل دور المرجعية السياسي وهذا ما ظهر جليا على مر تاريخ المرجعيات الدينية، فكلما كان النظام السياسي قويا ضعف وتضاءل دور المرجعية السياسي والعكس صحيح.
بالإضافة إلى أن العوامل المحلية والإقليمية والدولية الدائرة في المحيط العراقي تؤثر في قوة أو ضعف دور المرجعية السياسي، وهذا ما ظهر واضحا في موقف مرجعية النجف الحالية إزاء القضايا السياسية مقارنةً مع موقف المرجعية الدينية قبل سقوط النظام العراقي.
نلاحظ على مر تاريخ مراجع الدين أن البيئة المحيطة بالمرجعية تؤثر في مدى فعالية ودور المرجعية في التصدي للقضايا السياسية، فبعض مراجع الدين آنذاك لم يكن باستطاعتهم التصدي للقضايا السياسية بسبب الضغوطات والاضطهادات والاغتيالات بالإضافة إلى فرض الإقامة الجبرية التي مورست ضد المؤسسة الدينية.