-
تناولت في روايتك، "لعلها مزحة"، الحوار ما بين الأجيال، هل ترين أن التفاعل بين الأجيال الأدبية في الإمارات سلس وبناء، وهل فكرة الأجيال الأدبية فكرة حقيقية نستطيع تلمسها وتحديد ملامحها؟
لعلي سأكمل في إجابتي عن هذا السؤال ما بدأته في الإجابة الأولى بالحديث عن فكرة التوازي. أعتقد أن المراوحة في استجلاب حميمي لزمن غاب، دون رصد للوضع الراهن، أي غياب هذا الأدب التوثيقي للمجتمع الإنساني، هو جزء من الفجوة بين الأجيال على الرغم من أننا عندما نتحدث عن الأجيال في الإمارات نتحدث في نطاق ضيق زمنيا، من المفترض ألا يسمح بتشكل هذه الفجوة بعد، لكنني أفهم أن التسارع الحضري مقابل الفعل التراكمي البطيء والطبيعي نسبيا للثقافة قد ساهما في جعل هذه الفجوة واضحة أكثر، لا أعلم إن كان الأدب اليوم قادرا على تجسير تلك الفجوة لكنها تبقى محاولات طرح الأسئلة والفهم، أما في ما يتعلق بالفجوة بين الأجيال الأدبية فأظنها انعكاسا للفجوة العالمية، يظن الجيل الأكبر أنه يعرف أكثر ويظن الأصغر أنه يفهم أكثر دون حوار طويل حول المنتج، ودون أن نستجمع أسئلتنا المشتركة القائمة اليوم.
-
بدأت قاصة بإصدار ثلاث مجموعات قصصية ثم انتقلت إلى الرواية، ما أبرز ملامح هذا الانتقال بين القصة والرواية، وهناك ميل لدى النقاد لتشبيه القصة القصيرة بالشعر من حيث التكثيف؟
ما زلت أرى نفسي كاتبة قصة أولا، وكلما ومضت ببالي فكرة أراني أفكر فيها كقصة وأحاول تفريغها بهذا الشكل، القصة تشكل بالنسبة إليّ التقصّي اليومي، ومحاولات تدارك الحياة المنفلتة بتفاصيلها الطافحة، لكنني أحيانا، وهنا تأتي النقلة والاختلاف، تأتيني الفكرة والشخوص بما هو أكبر من المشهد القصصي القصير، حيث تحمل الشخوص أماكنها المتسعة وتاريخ تلك الأماكن وتحولاتها الاجتماعية والسياسية إلى جانب اللعبة السردية التي قد تمتد إلى ما هو أبعد من التكثيف القصير، هي جميعها عناصر جعلتني، وفق فهمي للرواية، أنقل الفكرة من قصة إلى رواية.
أما فيما يتعلق بالتقاطع بين القصة والشعر فأظن أن كل ما نكتبه يحتمل أن يتقاطع بالشعر كما هو العكس. الكتابة وأجناسها فعل قائم على المخيلة واللغة والمجاز واللعب بين كل ذلك، وهذا ما تحتمله عناصر كل تلك الأجناس الأدبية وأجناس أخرى بالمناسبة قد لا تكون قابلة للتصنيف اليوم... هذا بالطبع مع إدراك القواعد الأولى التي انطلق منها كل جنس.
-
"خصلة بيضاء بشكل ضمني" حازت جائزة العويس للإبداع القصصي 2016، ثم نلت جائزة الإمارات للشباب عن فئة الكتابة الإبداعية 2017، كيف تعاملت مع فكرة الجائزة خاصة جائزة العويس وهي ليست شبابية الطابع؟
أظن أن الجوائز تجعل المرء يتعامل مع فكرة الكتابة باعتبارها فعلا مرئيا على نحو ما. حين حصلت على جائزة العويس لم أفكر بكون الجائزة شبابية من عدمها بقدر ما أربكني ذلك بداية، إذ أن الكتابة صارت موضع ملاحظة بشكل أكبر وهو ما يستلزم في مرحلة مقبلة إجادة أكبر وبحثا عن مساحات جديدة. لعل الجوائز في هذا السياق هي بمثابة نقاط وصل بين مراحل الكاتب وعتبات مشروعه الكتابي الذي يتكون جزءا بعد آخر.
حواس
-
في رواية "دائرة التوابل" نغوص في أهمية الحواس تحديدا حاسة الشم، هل تستشعرين العالم من خلال الحواس، وهل هناك حاسة بعينها تخلف ثقلا عليك؟
أشعر بأنني أستشعر العالم من خلال حدسي، وهو الذي يصيب أحيانا ويخفق في أحيان أخرى، وبالطبع لو تأملنا ذلك ضمنا، فإن ما يشعل الحدس في داخلنا هو الحواس، والجانب الما ورائي لها، ما تحمله الرائحة من دلالات أبعد من الوصف المجرد أو النظرة من إحالات أو الصوت من ذاكرة وغيرها. فبعض الإشارات أعمق من غيرها، فيزيد من وقع الحواس ويكون بعضها مربكا ومضللا فنخفق في فهمه مما يورثنا الثقل.
-
أيضا في "دائرة التوابل" تطرحين سؤال الموت، هل هو واحد من بين أسئلة كثيرة تشغلك أم أنَه سؤال ذو خصوصية لديك؟
نعم هو جزء من أسئلة تشغلني كما تشغلنا جميعا عن الما بعد ومحاولاتنا المستمرة لتفكيك فكرة العدم، يختار كل منا أن يكون لها شكل ما، أغنية، قصيدة، قصة، رواية، لوحة أو رقصة وإلى آخر أشكال التعبير الممكنة. هذا السؤال العام بقدر عموميته فإنه متى ما انتقل إلى سياق التجربة الفردية أصبح شديد الخصوصية والحميمية، من هنا نخوض جميعا تجربة الموت المحيط، وهذا ما حصل معي من خلال تجربة شخصية مع مرض والدتي، ومن هنا جاءت محاولات كثيرة للتعامل مع هذا الطارئ المربك. كتبت بشكل مجرد حول الأمر وجربت أشياء كثيرة أخرى من أشكال التعبير حتى جاءت "دائرة التوابل"، لكن الدائرة لا تطرح فقط قضية الموت والعدم وهو ما لا أريد للمتلقي أن يقصر نظرته فيه، فهذا تأويل واحد ضمن تأويلات أخرى قد يتعاطى معها المتلقي متنقلا بين الشخوص، وهو مرتبط أيضا بمراحل كتابتي للعمل.