ارتبط شرب الخمر في غالبية المجتمعات البشرية بأنواع شتى من القيود، تبدأ بالغرامة المالية، وقد تصل في أقصى تشددها إلى منعه، وإلحاق عذاب جسدي بشاربه. عُّد الخمر في الكثير من الحضارات القديمة مشروبا روحيا مرتبطا بالأرواح العالية، والنخبة، ولكن حين يصل الأمر إلى العامة تجد الفلاسفة ينتقدونه، والحكماء يحرمونه.
وقد عثر على أقدم الأدلة الأثرية على اكتشاف الخمر في بلاد الشام القديمة، وتحديدا في كهف جنوبي مدينة حيفا على الساحل الفلسطيني، ضمن تجمع سكاني ينتمي للثقافة النطوفية، إحدى ثقافات العصر الحجري، والتي سادت مناطق واسعة من بلاد الشام قبل اثني عشر ألف عام. لقد توصل البروفسور براين هايدن (مولود عام 1946) من جامعة "سايمون فريزر" الكندية إلى استخلاص نظرية من هذا الموقع تفيد بأن أبناء الثقافة النطوفية خزنوا الحبوب من أجل تخمير الجعة، قبل أن يستخدموها لصناعة الخبز، وهي نظرية تقلب الأمور رأسا على عقب، من حيث الدواعي والأسباب التي دفعت انسان العصر الحجري لتهجين القمح والشعير وبعض أصناف الحبوب.
مصر القديمة
يمكن القول إن مصر القديمة هي المكان الأول الذي أنتجت فيه الخمور بشكل تجاري، فقد عثر في موقع الكوم الأحمر (مدينة نخن القديمة) على بقايا أقدم مصنع جعة معروف في العالم، يعود إلى العام 3400 ق.م، كان قادرا على إنتاج أكثر من ألف ومائة ليتر من الجعة يوميا. وقد صنع المصريون القدماء ما لا يقل عن سبعة عشر نوعا من الجعة، وما لا يقل عن أربعة وعشرين نوعا من النبيذ. وكانت الجعة مشروب العمال العاديين، إذ تشير الحسابات المالية المتعلقة ببناء أهرامات الجيزة إلى أنه خصصت حصة يومية من الجعة لبناة الأهرامات تبلغ نحو ستة ليترات للعامل الواحد.