يستمر حريق الحرب الأهلية في السودان اشتعالا في أتون الاضطرابات والمتغيرات السياسية المتسارعة منذ 15 أبريل/نيسان 2023، حين انفجرت شرارة الحرب بين الجيش السوداني وميليشيا "قوات الدعم السريع". فبعد أن خطت البلاد خطواتٍ حثيثة- وإن كانت متعثرة- نحو الديمقراطية والحكم المدني، طحنتها عاصفة الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. فالانقلاب الذي قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان على رأس القوات المسلحة السودانية من جهة، ومحمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي من جهة أخرى، مزق اتفاق تقاسم السلطة الهش الذي تم إبرامه بين العسكريين والمدنيين بعد أن أطاحت الثورة الشعبية في 2019 بالرئيس المخلوع عمر البشير الذي حكم البلاد بالحديد والنار منذ انقلاب "الجبهة القومية الإسلامية" (جماعة "الإخوان المسلمين" في السودان) في يونيو/حزيران 1989. لقد مهد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الطريق لصراع محتدم ومُعقد للسيطرة على مستقبل السودان، وهو الصراع الذي يعاني السودان والسودانيون من آثار دماره الآن.
كانت العلاقات المتوترة والمتأرجحة بين ميليشيا "الدعم السريع"، والقوات المسلحة السودانية هي أحد أهم مصادر عدم الاستقرار التي أدت إلى اندلاع الحرب. تطورت قوات "الدعم السريع" عن ميليشيا الجنجويد سيئة السمعة التي ارتكبت ما ارتكبت من الفظائع في دارفور منذ اندلاع الحرب هناك في 2003، وتحولت تدريجيا إلى قوة عسكرية بارزة يقودها حميدتي، وتستخدم نفوذها لتجنيد المقاتلين والمرتزقة من داخل السودان وخارجه.
وعلى الرغم من التحالف الذي جمع بين القوات المسلحة السودانية و"الدعم السريع" في تنظيم الانقلاب على مسار التحول المدني الديمقراطي يوم 25 أكتوبر 2021، فإن التنافس بينهما في الصراع على السلطة وجني ثمار الانقلاب، استمر في التصاعد بشكل دائم. إذ سعى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى الحفاظ على هيمنة القوات المسلحة السودانية التقليدية على المشهد السياسي السوداني، بينما كان طموح حميدتي هو توسيع نفوذ ميليشيا "الدعم السريع"، خاصة فيما يتعلق بمصالحها الاقتصادية وعلاقاتها الخارجية المستقلة. كما أن التنافس على الموارد المغرية، مثل السيطرة على مناجم الذهب في السودان التي يحتكرها الطرفان إلى حد كبير، والمخاوف لدى الجانبين بشأن احتمال الملاحقة المستقبلية بخصوص ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد السودانيين، استمرت في تغذية هذه المنافسة.
دفعت حدة التنافس بين "الدعم السريع" والقوات المسلحة السودانية الطرفين للبحث عن تحالفات مدنية من أجل تعزيز موقفيهما. اتجهت القوات المسلحة السودانية إلى الإسلاميين الذين كانوا جزءا من نظام عمر البشير المخلوع، مستغلة حالة السخط التي يشعر بها الإسلاميون بعد الإطاحة بهم من السلطة. واتخذ الإسلاميون رهان تحالفهم مع القوات المسلحة السودانية كتكتيك من أجل استعادة السلطة وإعادة تشكيل المشهد السياسي.